الاستثمار بعضوية مجلس الإدارة .. حقيقة أم وهم؟

بداية لا شك أن الاستثمار للأفراد أيا كان نوعه حرية شخصية طالما يتفق مع القوانين والأنظمة. ومن المعلوم أن أكبر مجال استثماري يضم كل طبقات المجتمع هو الاستثمار في أسواق الأسهم، فضلا عن الشركات والمؤسسات الأخرى. وبطبيعة الحال تختلف طرق الاستثمار في سوق الأسهم بين الأفراد، فبعضهم يختار الشركات ذات العوائد وبعضهم الآخر يستثمر في شركات النمو، بينما هناك من يرغب في المضاربة والاستفادة من الفروق السعرية بين العرض والطلب، ومن الطبيعي أن تجد المستثمرين في سوق الأسهم يكادون ينحصرون في أحد هذه الأنواع الثلاثة، لكن من المثير للاستغراب عند النظر لنسب تملك بعض الأفراد لأكثر من 5 في المائة وربما أكثر في بعض الشركات في سوق الأسهم التي لا تدر دخلا أو عائدا سنويا يتناسب على الأقل مع حجم الأموال المستثمرة بها من أولئك الأفراد، بل بعض هذه الشركات قيمتها الدفترية بالسالب، ومن أعوام طويلة لم تشهد أي تغيير يذكر.
هذا الاستغراب الطبيعي لكل متمعن لحال تلك الشركات لا شك أنه يزداد استغرابا ليطرح تساؤلات كثيرة، من أهمها: لماذا يستثمر بعض رجال الأعمال في شركات مراكزها المالية خاسرة وبمبالغ كبيرة، بل منذ زمن طويل لم تتغير مراكزهم من خلال نسبة استحواذهم على أسهم هذه الشركات ويفضلون البقاء فيها رغم عضويتهم في مجالس إدارات تلك الشركات وقدرتهم على التغيير وامتلاكهم نسبة أكبر في عمليات التصويت؟
حقيقة الأمر لا يخلو من احتمالين كلاهما مر وكلاهما يحتاج إلى متابعة من الجهات ذات الاختصاص سواء من هيئة سوق المال أو هيئة الرقابة ومكافحة الفساد "نزاهة" والجهات ذات العلاقة.
فالاحتمال الأول، أن هؤلاء الأعضاء يضاربون على أسهم شركاتهم مستغلين بذلك نفوذهم بالاطلاع على أخبار الشركة سواء كانت تلك الأخبار إيجابية أم سلبية ويحققون أرباحا من خلال كونهم مصدرا للمعلومة وليسوا متلقين لها، سواء كانوا يضاربون بمحافظهم الخاصة أو مستعينين بمحافظ صديقة كما يسميها البعض.
الاحتمال الآخر، أن يكون لدى تلك الشركات التي يمتلكون فيها نسبا أعلى من 5 في المائة مجالات استثمارية كمصانع أو استثمارات عقارية أخرى وغير ذلك، وبالتالي هم يستفيدون من ممتلكات الشركة بطريقة أو أخرى غير نظامية من خلال حصولهم على ترسية المناقصات أو التوريد والاستيراد أو استئجار عقارات الشركة بثمن بخس أو تأجير عقارات تابعة لهم للشركة بأسعار أعلى من السوق بمراحل، وغير ذلك من الطرق التي أصبحت لا تخفى على أحد.
كلا الأمرين يجعلهم يتشبثون بتملكهم تلك الشركات محققين أرباحا منها من خلال ما يسمى بالاستثمار بعضوية مجلس الإدارة التي تعني الاستثمار في ممتلكات الشركات والاستفادة القصوى منها بطرق غير شرعية بغض النظر عن سعر سهم الشركة وقوائمها المالية السلبية وتحقيقها خسائر من عدمه أو حتى حسن الإدارة لها.
فمن خلال نسبة تملكهم وعضويتهم في مجلس الإدارة يمكنهم حلب ثروات الشركة بعدة طرق محققين بذلك أرباحا تفوق أرباح حصولهم على توزيعات نقدية أو استثماراتهم بشركات أخرى ذات عائد ونمو. ولا شك أن هذه طريقة من بين عدة طرق أخرى يستخدمها أهل النفوس الضعيفة في أسواق المال مقدمين بها مصالحهم الخاصة على مصالح المساهمين. ولعل هذا يفسر ارتفاع نسبة تملك البعض في شركات خاسرة وبقائهم بها منذ أعوام بعضوية أو رئاسة مجلس الإدارة دون حراك. وفي الحقيقة، إن هذا الوضع يحتاج إلى تمعن ورقابة صارمة.
وكشفت هيئة سوق المال وما زالت، بالحقيقة تبذل مجهودا كبيرا يستحق الشكر والتقدير بالتعاون مع الجهات الأخرى ذات العلاقة، عن عدد من المخالفات في هذا المجال، وضبطت عددا آخر من حالات تضارب المصالح لأعضاء بعض مجالس الإدارات مع مصالح الشركة نفسها، ومخالفات مختلفة أخرى، وكان للهيئة والجهات المعنية دور كبير في إصلاح ذلك. وبطبيعة الحال، فإن حديثنا هذا لا يشمل مجالس إدارات قادت شركاتها نحو النجاح وكسب ثقة مساهميها وأثبتت نجاحها، بل قدرتها على المنافسة في السوقين الإقليمية والعالمية من خلال منتجات أسهمت في دعم الاقتصاد ونموه.
كما لا يشمل أيضا من تملك بشركات لغرض الإصلاح وتحسين أعمال شركة ما والنهوض بمصالح الشركة وتحسين إنتاجها ورفع تنافسيتها في السوق وضبط قوائمها المالية ورفع نسبة أرباحها.
كما شهدت بعض الشركات الفترة الماضية بعض الحراك تجاهها من عدة مجموعات وأفراد من المساهمين من خلال دخول مستثمرين جدد رفعوا نسبة تملكهم، وبالتالي القدرة على تصويب أعمال الشركة ومجلس إدارتها بشكل أكبر وأسرع، وذلك لتحسين أدائها للأفضل والقضاء على قضية استغلال الشركة لمصالح فردية، وهذه كذلك جهود تذكر فتشكر.
ختاما، الحقيقة أن الوطن منذ تولي خادم الحرمين الشريفين - وفقه الله - يشهد حربا شاملة ضد الفساد، وما زالت تسير بخطى ثابتة، ولمس الجميع آثارها الإيجابية على خزانة الدولة.
نذكّر بعض مجالس الإدارات وأعضائها الذين لم يواكبوا التغيير الذي يحدث ولم يستشعروا مسؤولياتهم تجاه المساهمين، أن الحملة ضد الفساد مستمرة، ونذكّرهم كذلك بمقولة ولي العهد - سدده الله - "لن ينجو أي شخص دخل في قضية فساد أيا كان".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي