Author

مصيدة الدخل المتوسط والصناعة «2»

|
مستشار اقتصادي
في الأسبوع الماضي قدمنا فكرة الورقة البحثية والخلفية التاريخية والنظرية لدور الصناعة في التنمية والخلل في التأطير النظري، في هذا المقال نكمل طرح الورقة النظري التجريبي وفي المقالين الثالث والرابع نحاول التطبيق على حالة المملكة. يقول الباحث الصيني لين، إن الميزة النسبية لا تكفي لتحقيق النجاح، إذن لا بد من تكوين سوق كخدمة عامة للاقتصاد، لأن الأفراد لا يستطيعون تكوين سوق دون دور حكومي قيادي فاعل. أركان السوق ثلاثة: الاستقرار السياسي والثقة العامة والبنية التحتية وهذه مكلفة، حيث لا يستطيع الأفراد أو الشركات الخاصة السيطرة عليها وديمومتها، هذا فقط ممكن في ظل حكومة قوية ذات نزعة تجارية. إذن لا بد للحكومة من دعم الصناعة من خلال التجارة وإيجاد السوق. هذه الوصفة التي بدأتها بريطانيا وأعادتها الصين مرورا باليابان والنمور الآسيوية.
الإطار الفكري كما عبر عنه باحث آخر اسمه ون في "نظرية المرحلة الجديدة" في التنمية الاقتصادية، محاولة لتقديم تفسير جديد للتسلسل التاريخي. في نظره التنمية عبارة عن تسلسل في تكوين السوق والتحول الهيكلي "لأن الأولويات والتقنية والقيمة تتغير في كل زمان". العملية تبدأ بالزراعة البدائية ثم الصناعات المرادفة الريفية ثم الخفيفة ثم الثقيلة وأخيرا الخدمات في اقتصاد الرفاهية. كل مرحلة تهيؤ لما يعقبها. الفشل أو التقصير في إعطاء المراحل حقها والبناء عليها في تتابع يؤدي للتشويه، حتى الفشل في التنمية الاقتصادية وصناعة غير ناضجة تقود إلى مصيدة الدخل المتوسط أو الدخل الفقير بغض النظر عن النظام السياسي. المفتاح ليس نظاما سياسيا معينا أو صناعات معينة، لكن إدراك للعملية التاريخية في عدة نواح منها، المراهنة على ميزة نسبية، التسلسل في إيجاد السوق، دعم الصناعة، حكومة ذات نزعة تجارية.
تجريبيا درجة النجاح تتشكل في طبيعة البيئة الجيوسياسية واستغلال الفرص والروح الوطنية نحو التقدم والبنية التحتية، فهذه عوامل محددة لشكل وحجم السوق ومدى حرية السوق، هذه العوامل بدورها تحدد درجة التخصص وسرعة التصنيع. السياسة الصناعية الحصيفة تتبع عملية تكوين وتطوير السوق. لا بد من إعادة النظر إلى الصناعة من منظار التنمية الاقتصادية، إذ إن الصناعة مشعل للتنمية من خلال تكوين وتطوير السوق للصناعات الوطنية وتعزيزها حتى تصبح منافسة عالميا. يصعب أن تنجح الصناعة دون مركزيتها في المنظومة التنموية والاقتصادية، فهي المشعل والنبراس. في المقال المقبل نقدم بعض ملامح الخلفية الاقتصادية للمملكة من هذا المنظور التاريخي، وفي المقال الأخير نحاول فهم التجربة الوطنية بعين على المستقبل المجرب طبقا لما ذكرت الورقة البحثية ومحاولة تلمس طريق جديدة لاستراتيجية صناعية.
إنشرها