Author

إنقاذ المحيطات من النفايات البلاستيكية

|
سمعنا عن دوامة نفايات شمال المحيط الهادئ وتدفق البلاستيك المستمر نحو المحيطات. لكن ماذا لو تمكن شيء ما من اعتراض ذلك البلاستيك قبل أن يصل إلى المحيطات؟ هذه بالضبط هي خطة "سي تشينج" تلك المؤسسة الجديدة التي تدعي أنها ابتكرت تقنية قادرة على إنقاذ المحيطات من أزمة التلوث البلاستيكي.
نشأ كارل بورجويست وتيم نيت مؤسسا "سي تشينج" معا في مدينة بارادايس في ولاية كاليفورنيا، وهما صديقان منذ الطفولة. وقد شغلا وظائف متنوعة، حيث عمل بورجويست في مجال الطاقة المتجددة، بينما عمل نيت رائدا لسلسلة من الأعمال في مجال الإعلان والإعلام. لكن حدث أن احترقت مدينتهما بالكامل في حريق الغابات الشنيع كامب فاير عام 2018، وفقد فيه 85 شخصا حياتهم واحترق تماما أكثر من 11 ألف منزل. ويعد أسوأ حريق في تاريخ كاليفورنيا، وأنذر بمستقبل قاتم بعد أن أثبت أن تغير المناخ يؤدي إلى تفاقم حرائق الغابات في جميع أنحاء الغرب الأمريكي.
قرر الرجلان وضع خبرتهما الحياتية الكبيرة والبحث حثيثا معا للعمل على الحد من آثار تغير المناخ. وقد توصلا إلى ابتكار واعد.
ستقوم مؤسستهما بتجهيز سفنها بجهاز يسمى صاهر البلازما المحسن، الذي يستخدم تقنية قوس البلازما لصعق البلاستيك والقمامة الأخرى قبل أن تدخل المحيط، على أن يتم تقطيع البلاستيك قبل أن يدخل منطقة قوس البلازما.
بدلا من ترك بقايا النفايات الضارة مثلما يحدث عند معالجة النفايات بالطرق التقليدية، تستخدم تقنية قوس البلازما درجة حرارة مرتفعة وطاقة كهربائية عالية لتسخين النفايات، وغالبا ما يكون ذلك عن طريق الإشعاع. ويمكن حرق المواد العضوية لتحويلها إلى غاز قابل للاحتراق يسمى غاز الاصطناع، وهذا الغاز يمكن استخدامه وقودا نظيفا لسفن المؤسسة. في حين ينتهي المطاف بالمكونات غير العضوية إلى مادة سوداء تشبه الخبث الزجاجي، ويقال، إن هذا الزجاج الأسود القابل لإعادة الاستخدام غير سام وآمن على الحياة البحرية.
وفي هذا الابتكار سيتم تسخين قوس البلازما إلى درجات حرارة تصل إلى 18 ألف درجة مئوية. وذكرت المؤسسة على موقعها على الإنترنت أن هذا الأمر يشبه إسقاط النفايات على سطح الشمس. وفي حين أن الأمر قد يبدو خيالا علميا، فإن هذه التقنية يتم استخدامها على النفايات الخطرة والطبية منذ عام 1996.
من بين 400 مليون طن من البلاستيك يتم إنتاجها كل عام، يتم حرق أو دفن أو فقدان 90 في المائة في البيئة، بينما يعاد تدوير 10 في المائة منها فقط. حتى لو أعيد تدوير البلاستيك، فذلك لن يمثل سوى تأجيل للمشكلة. حتى يومنا هذا يدوم البلاستيك إلى الأبد، ولا يوجد حل لتبخيره والتخلص منه نهائيا.
ومن المقرر أن تسعى سفن المؤسسة بحثا عن البلاستيك المنتشر في البيئة كنفايات. ووفقا لبحوث المؤسسة يدخل نحو عشرة ملايين طن من النفايات البلاستيكية إلى المحيطات كل عام. وهذا الكم يعادل حمولة شاحنة نفايات واحدة كل دقيقة. أما عن المصدر الرئيس لوصول هذا التلوث البلاستيكي إلى المحيطات، فقد وجد أن 90 في المائة من هذه النفايات البلاستيكية تتدفق إلى البحار من أكثر عشرة أنهار تلوثا في العالم. ويأتي في مقدمة هذه الأنهار نهر اليانجتسي الصيني الذي يجمع 1.5 مليون طن من النفايات البلاستيكية قبل أن يطرحها في بحر الصين الشرقي بالقرب من شنغهاي. يليه نهر السند الذي ينبع في التبت قبل أن يمر عبر باكستان ثم يفرغ 164.332 طنا من النفايات البلاستيكية في بحر العرب قبالة كراتشي. والأنهار الثمانية الأخرى هي الأصفر وهاي والنيل والغانج واللؤلؤ وآمور والنيجر وميكونج.
وغاية هذا الابتكار أن تسافر سفن المؤسسة المجهزة بتقنية قوس البلازما إلى هذه الأنهار الملوثة لجمع القمامة البلاستيكية وتبخيرها قبل دخولها إلى المحيطات. ويمكن لطاقم السفينة معالجة ما يصل إلى خمسة أطنان من البلاستيك على متن السفينة كل يوم، ثم صهرها إلى نحو 225 رطلا من الخبث الزجاجي الأسود الخامل.
وتخطط المؤسسة لتنفيذ أولى مهامها عام 2021 في إندونيسيا. وحاليا ينتهي المطاف بما يراوح بين 0.5 و1.4 مليون طن من النفايات البلاستيكية في المحيط حول إندونيسيا كل عام. وتخطط المؤسسة للتخلص من هذه القمامة لحماية النظام البيئي الإندونيسي الحساس المليء بالأنواع المرجانية وغابات المنجروف.
ومنذ بدء التخطيط تسبب وباء كورونا المستجد في عقبات لوجستية إضافية، بل أسهم أيضا في تفاقم مشكلة البلاستيك. فقد دخلت كمية هائلة من النفايات الطبية إلى المياه الإندونيسية بعد ستة أشهر من التوسع الكبير في استهلاك القفازات والأقنعة أحادية الاستعمال. أما القمامة التي لا تدخل إلى المجاري المائية هناك فتحرق في حفر مفتوحة، ما يعرض الناس لغيوم الديوكسينات المسببة للسرطان، فيما يشبه حالة المستجير من الرمضاء بالنار.
وإذا سار كل شيء كما هو مخطط له فستبدأ المؤسسة في إحداث تأثير في مشكلة النفايات البلاستيكية في المحيطات العام المقبل. وإذا نجحت مهمة المؤسسة في إندونيسيا العام المقبل، فربما نرى يوما ما سفينة من سفن هذه المؤسسة عند مصب كل نهر ملوث.
إنشرها