حتى تتحقق مستهدفات التعليم الأهلي والأجنبي

تحتل ميزانية التعليم في المملكة نسبة كبيرة من الميزانية العامة للدولة، حيث احتلت أكثر من 17 في المائة منها مع نهاية 2019، وتولي الحكومة اهتماما كبيرا بقطاع التعليم إيمانا منها بأنه اللبنة الأساس لنهوض المجتمع ومنه تأتي الإبداعات التي تخدم الوطن في كل المجالات.
لذلك جاء ضمن برنامج التحول الوطني 2020 لمستهدفات وزارة التعليم العمل على التخفيف من عبء الميزانية المخصصة للوزارة من خلال فتح المجال بشكل أكبر لقطاع التعليم الأهلي والأجنبي، واستهداف رفع نسبة الطلاب والطالبات في التعليم الخاص عموما من 15 في المائة إلى 25 في المائة من أجل تخفيض نسبة الطلاب والطالبات في التعليم الحكومي، وبالتالي تخفيف الأعباء المالية عن خزانة الدولة، ولكن عندما ننظر إلى هذه المستهدفات أعتقد أنها لم تحقق المأمول بعد، وذلك فيما يتعلق بإجراءات الوزارة مع التعليم الأهلي والأجنبي على حد سواء!
فالمعايير التي تطالب بها الوزارة القطاع الخاص وتلزم بها المستثمرين في هذا المجال تجدها مختلفة تماما عما تطبقه الوزارة في منشآتها التعليمية، بدءا من إلزام القطاع الخاص بتملك مبان أو استئجار مبان معدة للتعليم مسبقا، بينما تسمح الوزارة لنفسها باستئجار مبان من فلل سكنية وغيرها مما لم يعد من قبل لاستخدامه في التعليم بداية، كما أنها تشترط على المستثمرين بناء منشآتهم التعليمية على شوارع تجارية بينما تسمح لمنشآتها بالبناء داخل الأحياء السكنية!
من المعلوم أن أسعار الأراضي التجارية التي وصلت إلى أرقام فلكية تعد عقبة أساسية في تحقيق هذا الشرط غير المبرر، فضلا عما تشكله الطرق التجارية من خطورة على الأطفال والطلاب والطالبات، وقد نصحت منظمات عالمية بعدم بناء المدارس على الطرق التجارية حفاظا على سلامة الطلاب وأرواحهم.
كما أن هناك عوامل ضاغطة أخرى تتسبب في عزوف أولياء الأمور عن القطاع الأهلي والأجنبي كاحتساب ضريبة 15 في المائة على رسوم النقل لكل طالب، واحتساب ضريبة 15 في المائة على كل طالب أجنبي، هذه العوامل زادت من انسحاب أولياء الأمور من القطاع، ورغم أن هذه القرارات من صلاحيات جهات أخرى خارج أسوار الوزارة لكنها ستزيد العبء على المدارس الحكومية الذي كان المستهدف فيها تخفيض نسبة الطلاب والطالبات.
عمليات انسحاب أولياء الأمور من القطاع الأهلي للأسباب السابقة وأهمها ارتفاع رسوم المدارس الأهلية والأجنبية خاصة مع اعتماد التعليم عن بعد في ظل جائحة كورونا قد تؤدي إلى خروج عدد من المستثمرين وانسحابهم من السوق، وبالتالي زيادة الأعباء على الوزارة، وتؤثر سلبا في جهود الوزارة والإجراءات التي اتخذتها الفترات الماضية، حيث نجحت في تقليص عدد المدارس وضمها لبعضها، ووفرت من خلال ذلك مبالغ كبيرة من إيجارات وصيانة وغيرهما، وهذا أمر يحسب للوزارة إلا أن عودة نسبة ليست قليلة للمدارس الحكومية ربما تعني عدم المحافظة على ما تحقق في تقليص المصروفات.
لذلك قد يكون الأفضل للوزارة العمل على إزالة العقبات التي من شأنها أن تؤثر في تطوير قطاع التعليم الأهلي ومواكبته التقنيات التعليمية الحديثة، كما أقترح على الوزارة أن تترجم نظرتها للقطاع على أرض الواقع باعتباره مكملا لها وعاملا رئيسا في دعمها والمساهمة في تحقيق مستهدفاتها وبرامجها وذلك بتطبيق المعايير نفسها التي تتخذها الوزارة لنفسها بينما لا تسمح للقطاع الخاص بذلك.
وأخيرا وليس آخرا، فما سبق ليس دفاعا عن القطاع الأهلي والأجنبي، وإن كان ذلك يعد حقا مشروعا لكل من يتابع مخرجات القطاع الإيجابية سواء في النتائج التي يحققها على مستوى الاختبارات التي تقرر على خريجي المرحلة الثانوية أو مشاركة القطاع كذلك في كثير من الفعاليات والمناسبات أو حتى الخدمات التي يقدمها، مع التسليم بأن بعض المدارس الأهلية والأجنبية لا تسلم من ملاحظات ومغالاة في رسومها وهو ما يحتاج إلى تعديل وتقويم لكن نسبة جيدة منها مضت في طريق النجاح بفضل اهتمام ومتابعة مستمرة من وزارة التعليم بدءا من الإشراف على العملية التعليمية ومدى كفاءة الكوادر في تلك المدارس وانتهاء بتقديم الإعانات المادية لها.
إن ما سبق يعد حرصا على كل ما يدعم بقاء القطاع الخاص وانتشاره، لأن ذلك - كما ذكرت - يسهم في تخفيف العبء عن الوزارة من جميع الجهات كما يخفض من عبء ميزانية التعليم عن كاهل الحكومة ويعزز من تحقيق مستهدفات الوزارة برفع نسبة حصة القطاع الأهلي من 15 في المائة إلى 25 في المائة.
ختاما، إننا نعي أن بعض القرارات لا تملك الوزارة صلاحياتها منفردة مثل ما يتعلق بالضريبة والمقابل المالي وتحديد نسبة الحد الأدنى لرواتب السعوديين في القطاع ومقدار الدعم لهم، لكن في نهاية المطاف تبقى الوزارة هي الصوت المسموع نيابة عن المستثمرين معها وهي المعنية بتذليل الصعاب ومخاطبة الجهات الأخرى التي تشترك معها في بعض الصلاحيات، ليكون تعاملها مع القطاع باعتباره المعين لها. فنجاح التعليم الأهلي والأجنبي هو نجاح للوزارة نفسها.
ولا شك أن الوزارة بما تملكه من خبرات وصلاحيات ودعم لا محدود من ولاة الأمر قادرة - بحول الله - على معالجة كل الأمور التي قد تثنيها عن تحقيق مستهدفاتها أو تقف عقبة أمام نجاحها.
ما تضمنته هذه المقالة يعبر عن وجهة نظر شخصية هدفها استعراض بعض العقبات التي قد تؤرق الوزارة في حال استمرارها دون حل أو تعوقها عن تحقيق مستهدفاتها المستقبلية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي