صكوك وسندات لوزارة الإسكان

بداية لا يخفى على أحد الجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة الإسكان مشكورة في معالجة أزمة السكن، وذلك من خلال تقديمها سلة من البرامج المتنوعة للمواطنين، وتختلف حسب حاجة الأفراد والملاءة المالية لهم. والمتابع للزيادة الكبيرة والمستمرة في أعداد العقود الموقعة التي قامت بها الوزارة وما زالت كذلك سواء كان ذلك للعقود التمويلية منها لشراء مسكن جاهز أو لعقود البناء الذاتي عبر برنامج أرض وقرض وغيرها من البرامج التي تسعى الوزارة من خلالها جاهدة إلى المساهمة في تملك الأفراد للسكن يجد أن الأرقام مرضية إلى حد كبير حتى الآن، خاصة إذا استطاعت الوزارة المحافظة على الوتيرة المتسارعة نفسها التي شهدتها الفترة الماضية.
ولا شك أن تلك الجهود جاءت مدعومة بالتحالف بين وزارة الإسكان والمصارف التجارية داخل المملكة في المقام الأول، حيث يمكن اعتبار المصارف الذراع الرئيسة في عملية العقود وأحد أطرافها الأساسية، حيث تسهم بالتعاون مع الإسكان في تقديم العقود للأفراد وتتولى عملية الاستقطاع وصرف الدفعات ونحو ذلك بينما تتحمل وزارة الإسكان دفع الفوائد لتلك العقود على أقساط شهرية تودع في حساب العميل وبشكل مستمر حتى انتهاء العقد وهذا عموما، حيث تختلف نسبة تحمل الوزارة للفوائد على العقود حسب الشروط والمتطلبات التي وضعتها لذلك.
وهذا ما أوجد نوعا من التنافسية بين المصارف لكسب عملاء أكثر حيث يحرص كل مصرف على منح المستفيد ميزات أكثر مرونة لأجل زيادة حصته من عقود الإسكان وهذه الميزة لمصلحة العميل في المقام الأول، حيث توفر له عديدا من الفرص مع إمكانية الاختيار من بينها حسب رغبته.
ومما لا شك فيه أن قطاع المصارف مستفيد بدرجة كبيرة من تحمل وزارة الإسكان دفع فوائد تلك العقود، بل ضامنة لها حيث تتجاوز مئات الملايين من الريالات، إن لم تكن قد تخطت حاجز ذلك إلى المليارات، وهذا بدوره يدعم القطاع المصرفي ويعزز من ثقله الاقتصادي ويرفع نسبة الأرباح لديه، كما أن القطاع يعد أحد أعمدة الاقتصاد الرئيسة.
لكن في نهاية المطاف يظل قطاع المصارف قطاعا خاصا مستقلا فهو المستفيد في المقام الأول من أرباحه في هذا المجال بعيدا عن خزانة الدولة، لذلك فإن تحمل وزارة الإسكان والتزامها بدفع الفوائد على العقود المبرمة بينها وبين القطاع المصرفي يشكل عبئا كبيرا على خزانة الدولة. كما أن تلك الفوائد بطبيعة الحال نسبتها عالية وتصرف لمصلحة المصارف مقابل كل عقد موقع لعميل من عملاء الوزارة.
وفي هذا المقال فإنني أتمنى من وزارة الإسكان عوضا عن تعاقداتها مع المصارف التجارية واعتبارها طرفا ثالثا في عمليات التمويل، وتحمل مبالغ لا محدودة على كاهلها تستنزف خزانة الدولة على المدى البعيد أن تقوم بتمويل عقودها مع المستحقين للسكن عبر طرح برامج من الصكوك والسندات تجمع بين رغبات المستثمرين ممن يفضلون الصكوك على السندات والعكس.
وبالتالي ستكون فوائدها التي تتحملها "الإسكان" أقل بكثير من الفوائد الباهظة التي تقدمها للمصارف على طبق من ذهب، كما أن المملكة تتمتع بسوق سندات وصكوك ذات إقبال كبير من المستثمرين، بل تحظى بتغطيات مضاعفة عند كل طرح وذلك بناء على السمعة والمكانة الاستثمارية والاقتصادية التي تتمتع بها مملكتنا الغالية.
لذلك لو طرحت الوزارة سلة استثمارية للصكوك وأخرى للسندات بآجال مختلفة لتمويل عمليات عقودها وخدماتها للأفراد والمطورين كذلك لاستطاعت تخفيض تكاليف التمويل بشكل كبير وتتحملها الوزارة وخزانة الدولة على المدى الطويل في وقت واحد.
فضلا عن أن هذه البرامج توفر قنوات استثمارية للمواطنين عبر الاكتتاب بهذه الصكوك والسندات، وتسهم في جذب الأموال الاستثمارية من الخارج، وتعزز الاقتصاد وتصب في خزانة الدولة، كما أنها تسقط عن كاهل الميزانية تحمل تكاليف باهظة هي في غنى عنها لمصلحة المصارف والبنوك التجارية، بل تعطيها مجالا واسعا للسداد عوضا عن الالتزامات الشهرية.
كما أن المصارف التجارية لديها عديد من البرامج الأخرى والحلول التمويلية ولن تكون هذه الخطوة سببا في تعثر نشاطاتها أو عدم استطاعتها الاستمرار في تحقيق الأرباح، فهي لا تعتمد على الفوائد التي تدفعها لها "الإسكان" من الأساس.
وهنا نذكر ذلك حتى لا يصفنا أحد بأننا ضد القطاع المصرفي أو لغرض مجرد حرمانه من تلك المبالغ التي يحصل عليها من عقوده المشتركة مع "الإسكان" أو لأجل التسبب في خسارة كبيرة له.
فالقطاع، كما ذكرت بداية، قطاع مهم في الاقتصاد لكنه في النهاية يبقى قطاعا خاصا ومستقلا، والحديث إنما يصب في المصلحة الأولى للقطاع العام وخزانة الدولة التي هي أولى وأعز علينا من غيرها رغم اهتمامنا بالجميع.
ختاما، وعودا على بدء، فالجهود الكبيرة من وزارة الإسكان تستحق الشكر والتقدير على تحقيقها أرقاما قياسية في وقت قصير من خلال مساهمتها في توفير السكن للأفراد، وإن ما سبق هو طرح ومشاركة للرأي والمساهمة في جهود الوزارة المباركة التي كما ذكرت لا تخفى على كل متابع لأخبار الوزارة من خلال وجودها وتواصلها على شتى الأصعدة وبكل الوسائل المتاحة مع الأفراد.
=

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي