متى عليك أن تخرج من السهم؟

قبل أيام عدة أعلنت شركة الغاز والتصنيع الأهلية، اكتشاف شبهة اختلاس من قبل مسؤول في قطاع الشؤون المالية، تمثلت في صرف مبالغ مالية دون مسوغات نظامية لجهات لا تربطها علاقة تعاقدية مع الشركة، وذلك خلال الفترة من 2017 حتى الربع الأول من عام 2020، وبلغت المبالغ المشتبه في اختلاسها 34.2 مليون ريال. ويبقى السؤال الكبير، كيف استطاع موظف صرف مبالغ دون مسوغات ولمدة وصلت إلى ثلاثة أعوام؟ وأين خطوط الدفاع الثلاثة التي طالما تشدقت بها الحوكمة؟ وهنا أقول، إن الحوكمة ليست تنظيرا، فقد أثبتت الدراسات أن لها تأثيرا كبيرا في سلوك المنظمة، خاصة في مكافحة قضايا الفساد وكذلك تأثيرها العام في الأداء ونتائج الأعمال. لكن قبل أن ندخل بشكل أعمق في الإجابة عن سؤال هذا المقال، أتمنى منك عزيزي القارئ العودة إلى مقالات كتبتها قبل أعوام عن مراجع الحسابات، فقد تطور تقرير المراجع الخارجي أخيرا بشكل كبير، وأصبح لزاما على المراجعين الإفصاح فيه عن كل الموضوعات التي تمت مناقشتها مع الإدارة وكانت مصدر قلق للمراجع. وكما قلت سابقا، أقولها الآن وفي كل حين: كن عزيزي المستثمر حذرا جدا إذا قال المراجع إنه يشك في قدرة الشركة على الاستمرار، فما قالها مراجع قط وبقيت الشركة على حالها بعد مقولته تلك. وبعد أكثر من 13 عاما أعود فأقول، إذا قال المراجع إنه يشك في قدرة الشركة على الاستمرار فانفد بجلدك.
حتى يمكن الإجابة عن التساؤل الذي يطرحه المقال، لنفترض وجود شركة تنخفض مبيعاتها من عام إلى عام وبنسب تصل إلى 80 في المائة في كل عام عن العام الذي يليه، وهذا التراجع يأتي نتيجة تدني مستوى المبيعات التشغيلية، وهذا معناه أن الشركة تتراجع أرباحها وتخسر. بالطبع، قد تجد نفسك تجيب عن التساؤل، لكن قد تجد الشركة ذات أصول بمئات الملايين، وهذا لا يجعل القيمة الدفترية للسهم مرتفعة مقارنة بأي شركة أخرى، لكنك قد تجد مكرر الأرباح سالبا، والعائد على الأصول سلبيا، وهو كذلك على حقوق الملاك. ومن أجل بث روح جدية، قد تعلن الشركة أنها تتبع سياسة تقشف في المصروفات، وقد تجد من يروج للسهم بقوة، وأن الإصلاحات على قدم وساق، والخسائر تأتي نتيجة تحول الشركة إلى معايير المحاسبة الدولية التي تتطلب إعادة تقييم الأصول وطرق أكثر تفصيلا في إثبات الإيرادات. بالطبع، تصبح في حيرة من أمرك، فهل أبقى في السهم أنتظر الفرج؟ أم أخرج منه بأقل خسائر؟ هنا أقول، لن تجيبك عن أسئلتك هذه أفضل من الحوكمة، لذا راجع تقرير مجلس الإدارة وتأمل الآتي، من رئيس مجلس الإدارة؟ هل يحضر الاجتماعات كافة؟ إذا كان المشهد مرتبكا كأن يكون رئيس مجلس الإدارة لا يحضر أي اجتماع، بينما العضو المنتدب هو الرئيس التنفيذي ويأخذ مكافآت كبيرة، فعليك أن تكون قلقا، ذلك أن الشركة تتلاعب بأحد أهم قواعد الحوكمة، وعليك حينها أن تبحث عن حجم ملكية الأسهم لأعضاء المجلس. تلك الدراسات أثبتت أن حجم الملكية له أثر في الأداء، فإذا لم تجد من أعضاء المجلس من يملك حصة مهمة، بل وجدت حصصا كالفتات، فعليك أن تصبح أكثر قلقا، وعليك فورا أن تزور موقع شركة تداول للبحث عن كبار الملاك، فإذا لم تجد أحدا يملك 5 في المائة، فإن عليك أن تقف تماما، وتبدأ بالحسابات واستشارة من يلزم، ولا أفضل من تقرير مراجع الحسابات الخارجي، فإذا وجدته يلفت النظر إلى أن الشركة غير قادرة على الاستمرار، لأن الموجودات المتداولة أقل من المطلوبات المتداولة، فإنني أقول: عليك أن تخرج من السهم فورا.
الحوكمة تعني حماية القرار، وأن تتخذ القرارات لمصلحة أصحاب المصلحة بلا تحيز، لكن مشكلة الحوكمة الأساس أنها تعمل وفقا لآليات تتحرك بأمر مجلس الإدارة، فإذا كان رئيس مجلس الإدارة لا يحضر أبدا، بينما العضو المنتدب يمارس جميع الأدوار، فإن الحوكمة لم تتجاوز التنظير، وإذا كان أهم خطوط الدفاع التي طورتها الحوكمة هي إدارة المخاطر، وبينما لا يعترف مجلس الإدارة أن شركته غير قادرة على الاستمرار، رغم أن جميع الديون والالتزامات التي يجب سدادها خلال العام تبلغ أضعاف كل الأصول التي يمكن تحويلها الى النقد، فإذا كانت هذه هي الحال وسعر السهم تتم المضاربة عليه بلا سبب واضح ومهما أخبرك محلل أسهم عن توقعاته أن يصل سعر السهم إلى النسبة، أقول: مهما قيل اخرج من السهم إذا وجدت هذه الأدلة، فقد تكون مجرد ضحية أمام تكرار مشهد ممل منذ 13 عاما، لشركات لا تعرف كيف تربح ولا كيف توزع أرباحا إن هي ربحت.
لقد طالبت وسأطالب أن يخرج جميع الشركات التي لا توزع أرباحا من السوق وتهبط إلى نمو، أو أقل من نمو إذا لزم الأمر، نريد سوقا استثمارية حقيقية، ذلك أن دخول شركة بمثل حجم أرامكو، يجعلني أشك في قدرة أعصابي على تحمل تقلبات السوق، إذ كيف يقول لي عقلي وتعلمي ومحاضرات عباقرة أستاذة التمويل أن أستثمر في شركات ذات عوائد لا يتحرك سهمها إلا منخفضا مع كل هزة، وأنا أنتظر عوائد سنوية لا تتجاوز 5 قي المائة بالكاد تعوض رأسمالي الضائع، وفي الوقت نفسه أنظر بحسرة إلى شركة خاسرة ذات حوكمة مرتبكة تحلق في السماء نسبها. إن طاوعت عقلي شقيت وخسرت، وإن طاوعت قلبي والسوق جننت.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي