هيئة السياحة تغرد وحيدة

يمثل قطاع السياحة في عديد من الدول شريانا رئيسا لاقتصاداتها، وبينما تسعى تلك الدول إلى الحفاظ على حصتها السوقية من هذا القطاع ففي الوقت ذاته تحرص على استمرار تعزيزه ودعمه من خلال كل الوسائل والطرق وتسخير الإمكانات لذلك.
ولا شك أن قطاع السياحة كبير ومتعدد ويتفرع منه عديد من الخدمات اللازمة له، فضلا عن أن القطاع يوجد فرصا وظيفية لا تعد ولا تحصى سواء للأفراد أو الشركات.
هذا بطبيعة الحال يفسر الجهود الجبارة والدعم غير المحدود الذي توليه حكومتنا الرشيدة لهذا القطاع، حيث يحتل أهمية كبيرة ويعد لاعبا رئيسا في "رؤية 2030" التي يسعى إلى تحقيقها ولي العهد - سلمه الله - وذلك لتنويع مصادر الدخل وتقليل اعتماد الإيرادات على النفط، فقد تم استحداث هيئة للسياحة تعنى بهذا القطاع من خلال استغلال التنوع الجغرافي أو الأثري والتاريخي الذي تمتلكه المملكة.
وبالفعل بدأت هيئة السياحة بجهود جبارة، بل سريعة نحو تعزيز القطاع ودعمه فقد قطعت مسافة طويلة في وقت قصير لم نشهده في قطاعات أخرى، إلا أن هيئة السياحة لا يمكن ليدها أن تصفق دون تعاون هيئات وقطاعات أخرى تساندها وتدعمها لنجاح أنشطتها وتحقيق مستهدفاتها.
ومن أهم القطاعات التي لا بد أن تأتي مواكبة لجهود هيئة السياحة هو قطاع الطيران الذي لا يزال دون المأمول إن لم يكن أقل، فعلى سبيل المثال لا الحصر، نجد أن قطاع الطيران لم يواكب تقدم هيئة السياحة السريع، حيث لا يزال كثير من المناطق السياحية بحاجة إلى عدد رحلات كاف، فضلا عن أن بعض المناطق لا تربطها أي رحلات مباشرة مع المناطق الأخرى، فهي ما زالت تعتمد على عدة رحلات (ترانزيت) للربط بين إحداها والأخرى، والعجيب في الأمر أن تلك المناطق المعزولة عن بعضها بعضا فيما يتعلق بالرحلات المباشرة ترتبط مطاراتها برحلات مباشرة بعواصم عربية وخليجية، فتجد أن هناك رحلات دولية مباشرة تسير لعدة وجهات من الشمال أو الجنوب، بينما لا توجد رحلات مباشرة تربط بين الشمال والجنوب في الداخل.
هذا الدعم والربط مع مطارات العواصم العربية والخليجية لم تحظ به مناطق في الداخل مع امتلاكها ميزات طبيعية وجغرافية وأثرية، فضلا عن أن قطاع الطيران عنصر أساس في نجاح قطاع السياحة، ويقع على عاتقه ضرورة توفير سلة من الرحلات المباشرة والمتنوعة التي تضمن تدفق السياح من الداخل في المقام الأول، وتدوير الأموال داخل أسوار الوطن، وتقلل خروج تلك الأموال بحثا عن السياحة الخارجية التي ما زالت تمتلك أفضلية ميزة الرحلات المباشرة، بل حتى تنوع الناقل الجوي.
كما أن ربط مناطق المملكة، وتحديدا السياحية منها، يعزز جذب الأموال وتدفق الاستثمارات ويتيح لرجال الأعمال والشركات سهولة التنقل ومتابعة أعمالهم في تلك المناطق، كما أنه يعزز ربط أهالي كل منطقة بالأخرى وسهولة التواصل والتنقل فيما بينها.
لذلك من وجهة نظر شخصية قابلة للخطأ والصواب، فإن قطاع الطيران لدينا لم يواكب تقدم هيئة السياحة السريع والمتتالي الذي قدم نشاطا كبيرا على مستوى المملكة، فرغم مساحتها الشاسعة إلا أنه استطاع تحقيق تقدم سريع وانتشار أكبر خلال فترة وجيزة. ونتمنى أن نرى في القريب العاجل تحركا لقطاع الطيران واستفاقة من سباته الطويل يتزامنان مع جهود هيئة السياحة من خلال دعم الأخير بتوفير رحلات داخلية ومباشرة تدعم قطاع السياحة وتتيح للجميع اكتشاف بعض ما يتمتع به وطننا الكبير من امتلاك مناطق تاريخية وأخرى طبيعية، فحقيقة من الجميل أن نرى ربط مطارات إقليمية برحلات دولية، لكن في الوقت ذاته من غير اللائق أن تحظى تلك المطارات بربط دولي ومباشر وأسعار أقل، بينما يختلف الوضع تماما عندما يتعلق الأمر بربط مناطق الداخل بتلك المطارات مع غياب الرحلات المباشرة وارتفاع أسعار التذاكر المبالغ فيه.
وعودا على بدء: رغم كل الجهود المبذولة من هيئة السياحة مشكورة إلا أنه لا يمكن لها أن تحقق مستهدفاتها أو تحاسب على تقصيرها في شيء منها في ظل غياب قطاع الطيران عن دوره المنوط به في تعزيز هذا المجال، فهو يظل عنصرا ولاعبا أساسيا في هذه العملية التي تعد تكاملية وليست أحادية الجانب.
وختاما: هيئة السياحة لا يمكنها أن تغرد وحيدة خارج السرب أو تطير بجناح واحد، ودعمها من كل القطاعات الأخرى ذات العلاقة عامل مهم لإنجاح هذا القطاع وازدهاره وتحقيق مستهدفات "رؤية 2030" المرسومة له.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي