Author

أخطاء شائعة في عملية التحول الرقمي «2 من 2»

|

أستاذ الطاقة الكهربائية ـ جامعة الملك سعود

[email protected]

ظل كثير من الأعمال ولا يزال يصارع من أجل ترجمة الاستراتيجية الرقمية لتحويلها إلى قصة نجاح حقيقية. ذكرت "كوشبيس"، وهي شركة برمجيات خاصة، في إحدى دراستها الإحصائية، أن 90 في المائة من مشاريع التحول الرقمي لم يلاق النجاح المطلوب، في دلالة واضحة إلى وجود خطأ فظيع في كيفية تنفيذ الاستراتيجية الرقمية. وأشارت مجلة عالم الرؤساء التنفيذيين CEOWorld Magazine إلى أنه عندما يتعلق الأمر بالتحول الرقمي، فإن 5 في المائة فقط من جهود التغيير التنظيمي أوفت التوقعات المستهدفة أو تجاوزتها، ويعزى السبب - كما ذكرت المجلة - إلى أن المكلفين بتنفيذ مبادرات التحول الرقمية لا يدركون التحديات المرتبطة بإحداث التغيير في المؤسسات الكبيرة والمعقدة. ورغم أن معظم المديرين التنفيذيين يعرفون مدى أهمية التطور مع التقنية وإنشاء العمليات والحلول الرقمية، إلا أن واقع التنفيذ يمثل شيئا مختلفا. ومع هذا سعى عديد من الشركات إلى التحول الرقمي بيد أنها وصلت إلى طريق مسدود ما ينبئ بالوقوع في أحد الأخطاء الشائعة وهو عدم وضوح معالم الاستراتيجية أو الخطة الرقمية. ذكرت شركة ويبرو ديجيتال المختصة في تقديم الخدمات الرقمية في إحدى دراساتها الإحصائية، أن 35 في المائة من جهود التحول الرقمي باءت بالفشل نظرا لغياب استراتيجية واضحة المعالم، حيث يجب أن تحدد نماذج الأعمال التي تحول رقميا ودراسة الأسباب تباعا سواء أكانت لمعالجة الطلبات أم لتحسين التواصل مع العملاء، بغية الحصول على بيانات موثوقة وعالية الجودة من شأنها أن تؤدي إلى خدمات أفضل. وعليه، يجب على المنظمات تطوير الاستراتيجية الرقمية والخيارات المتاحة فيها بكل وضوح، إضافة إلى معايير أداء القياس.
يمثل عدم التركيز على العملاء في إعداد الاستراتيجية الرقمية خطأ شائعا حيث يظل العميل الرقم الصعب في معادلة التحول الرقمي، وأن معرفة سلوكياته ضرورة من أجل رسم قيم جديدة للمنظمة. إن تجربة العملاء Customer experience عامل مهم في الاستراتيجية الرقمية حيث تكتسب المنظمات الخبرة الكافية بعد فترة من تعاملها مع مجموعة من العملاء. وعليه، يجب أن تؤول جهود التحول الرقمي إلى تطوير وتحسين التجارب مع العملاء كهدف نهائي، ومنها فهم مسار العميل للشراء وطرق التواصل، تفاعل العميل أو المستهلك مع الشركة. يرتبط مفهوم تجربة العملاء والتحول الرقمي ارتباطا وثيقا حيث يؤديان إلى التحول التنظيمي، وكي تقدم المنظمة تجربة عملاء متميزة يتعين عليها تنفيذ عمليات التحول الرقمي. ويجب عندئذ إحاطة العملاء بالمتغيرات كي يتمكنوا من التكيف مع التطورات الجديدة منعا من عنصر المفاجأة. إن إشراك العملاء في الاستراتيجية الرقمية والاستماع إلى ملاحظاتهم سيكون من الأهمية بمكان، خصوصا عند إيضاح الحاجة إلى إجراء التغيير.
ولعل أحد الأخطاء الشائعة يكمن في عدم التواصل الكافي بين الإدارة وبقية الموظفين أو وجود فجوة بينهما. يقول رجل الأعمال كيث كيتاني، مؤسس شركة قايدسبارك، وهي شركة مختصة في إدارة التغيير والاتصالات، إن السبب الأكبر لفشل التحول الرقمي في شركات كبيرة، مثل جنرال إلكتريك وفورد وغيرهما، هو فشل الإدارة العليا في توصيل الأهداف والاستراتيجية والتوقعات بشكل فعال مع موظفيهم، ولم يكن الموظفون هم سبب هذه المشكلة لكن السبب أتى من فشل المؤسسة في التواصل بشكل فعال مع موظفيها بما يهيئهم نحو تحديات التحول الرقمي منذ البداية. إن نجاح التحول الرقمي يرتكز على وضوح الأدوار في كل الإدارات ومدى تأثيرها في تنامي الأعمال واتساعها، لذا من الضروري نشر الرؤية والرسالة الجديدة والالتزام بتحقيقهما وتوفير التدريب الكافي والبنية التحتية اللازمة لإيجاد مهارات وإبداعات جديدة بين أوساط الموظفين. ذكرت شركة تيك ريبابليك TechRepublic، وهي شركة تقنية معلومات، في تقريرها "دليل التحول الرقمي للرؤساء التنفيذيين" أن معظم الموظفين لا يعرفون ماهية وحقيقة التحول الرقمي. وأوضح التقرير في حيثياته أن غياب الوعي يقود إلى إساءة تفسير الموظفين جهود التحول الرقمي على أنها تشكل منافسا على وظائفهم وبالتالي خطرا على مستقبلهم في الشركة.
ومن الأخطاء الشائعة أيضا ما يبدو في قصور فهم المنظمة حول اختلاف طبيعة ونماذج أعمالها في العصر الرقمي، حيث ستعمل عبر صناعات وأجزاء متداخلة مع نظم بيئية مختلفة. وقد يعزى ذلك إلى تكون قيم جديدة من خلال المنافسة والدخول مع آخرين في صناعات رأسية وأفقية ما يتطلب اتخاذ قرارات سريعة وجريئة حياله، فعلى سبيل المثال، نجد أن شركة تسلا، وهي شركة أمريكية تعمل في مجال السيارات الكهربائية، تصنع نماذج أعمالها وقيمها في صناعة الطاقة والبطارية والسيارات في آن واحد، وهذا يبين مدى نجاح الشركة في اقتحام المنافسة في مجالات كثيرة حيث لم ترتبط بخط صناعي واحد أو قيمة واحدة لأن طبيعة عمل الشركة تغيرت بشكل جذري في العصر الرقمي، ولعل هذا يفسر أحد أسباب نمو إيرادات الشركة، 24.58 مليار دولار، في العام الماضي.
إن التحول الرقمي لا يتعلق بزعزعة صناعة ما أو الارتباط بالتقنية الرقمية وحدها، بل بالقيم والعناصر البشرية العاملة وتحسين نماذج الأعمال واستكشاف فرص جديدة من خلال الابتكار الرقمي والقدرة على التكيف خلال الأزمات والظروف الصعبة كجائحة كورونا الحالية. ولذلك نرى أن إدارتي التغيير والمخاطر ستكونان أكثر إلحاحا ومطلبا للشركات والمنظمات التي تهدف نحو السير والديمومة في العالم الرقمي. ومن الجدير بعد هذا الاستعراض أن نختتمه بمقولة العالم البريطاني تشارلز داروين الشهيرة: "إن الكائنات القادرة على الاستمرار ليست الأقوى أو الأذكى وإنما تلك الأكثر قدرة على التكيف مع المتغيرات".

إنشرها