مدن التعلم إضافة جديدة للمدن الذكية

عندما نقول المدينة الذكية Smart City أو مدينة التعلم Learning City، قد يخطر على بال أي منا أن يتساءل: لماذا المدينة؟ لماذا لا نقول القرية أو الحي؟ أو لماذا لا نقول المجتمع الذكي أو مجتمع التعلم؟.
لا شك أن المدن بتجمعاتها السكانية الكبيرة ضمن مساحة محدودة تستقطب الاهتمام الأكبر في العالم، فالكثافة السكانية في المدن تزيد عادة على 1500 نسمة في الكيلومتر المربع الواحد ويضاف إلى ذلك تفوق نسبة سكان المدن في العالم على باقي المناطق الأخرى، فضلا عن التزايد المستمر لهذه النسبة.
تعني الكثافة السكانية المرتفعة وجود كثافة في النشاطات والأعمال، كما تعني وجود كثافة في التنافس على التميز بين الناس. ويؤدي ذلك إلى كثرة الخدمات المطلوبة، والحاجة إلى تنفيذها بذكاء وكفاءة وفاعلية، تواكب معطيات العصر وتستجيب لمتطلباته. لكن لا بد من القول إن التركيز على المدن فقط وعدم ذكر باقي المناطق يبقى غير منطقي، خصوصا مع انتشار الإنترنت وتطورها، والتوجه نحو الفضاء السيبراني بل السوبر - سيبراني الذي جمع العالم تحت مظلة الإنترنت وتطبيقاتها المختلفة والمتطورة، حيث بات العالم كأنه مدينة صغيرة واحدة. وعلى ذلك، فإن كل ما سنطرحه هنا حول المدن يمكن أن ينطبق أيضا على جميع المناطق والمجتمعات. وما ذكرت كلمة مدن في هذا المقال إلا التزاما بالمصطلحات المتداولة ويبقى المقصود هو المجتمعات الإنسانية، سواء في إطار المدن أو المناطق الأخرى أو كليهما معا.
على هذه الصفحة وقبل زمن تحدثنا عن المدينة الذكية وتطلعاتها ومتطلباتها كان ذلك يوم 13 تموز (يوليو) 2017. وذكرنا في هذا المجال تعريفا لمفهوم المدينة الذكية، أورده الاتحاد الدولي للاتصالات ITU. يقول هذا التعريف، إن المدينة الذكية المستدامة هي مدينة مبتكرة تستخدم تقنيات المعلومات والاتصالات، إضافة إلى وسائل تقنية أخرى من أجل تحسين جودة الحياة، وتطوير كفاءة أعمال المدينة وخدماتها، وتعزيز قدرتها على المنافسة، مع تأكيد فاعلية استجابتها لمتطلبات الأجيال الحالية والمستقبلية في القضايا الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وكذلك الثقافية. في هذا الإطار تأتي أفكار مدن التعلم لتكمل تطلعات المدن الذكية، وتعمل على توفير التعلم المستمر مدى الحياة للجميع وتفعيله من أجل الارتقاء بالإنسان على جميع المستويات والمراحل العمرية.
لمدن التعلم مفهوم يطرحه معهد اليونيسكو للتعلم مدى الحياة UIL. غاية هذه المدن طبقا لمفهوم المعهد هي توفير التعلم مدى الحياة للجميع ولتحقيق هذه الغاية، هناك ستة أهداف تنفيذية ينبغي العمل على الوصول إليها. يتمثل الهدف الأول في السعي إلى توفير المصادر اللازمة للتعلم المستمر والعمل على تفعيله وجعله شاملا، يبدأ بالأساسيات، ويرتقي بها، ليصل إلى التعليم العالي. ويقضي الهدف الثاني بتحفيز التعلم على مستوى الأسرة، والمجتمع المحلي. ويهتم الثالث بتمكين التعلم في إطار العمل، ومن أجل مصلحة العمل. ويتطلع الهدف الرابع نحو التوسع في استخدام التقنية الرقمية والاستفادة منها في التعلم. ثم يركز الخامس على جودة التعلم المطلوب وتميزه. ويهتم السادس أخيرا ببناء ثقافة التعلم مدى الحياة.
إلى جانب طرحه مفهوم مدن التعلم، يسعى معهد اليونيسكو للتعلم مدى الحياة UIL إلى إقامة شبكة من مدن التعلم تشارك فيها الدول الأعضاء في اليونيسكو التي يتجاوز عددها 170 دولة. ويضع المعهد سبعة محاور عمل لهذه الشبكة. أول هذه المحاور هو محور التعلم مدى الحياة من أجل التنمية المستدامة، ويأتي هذا المحور متوافقا مع توجه الأمم المتحدة UN نحو العمل على تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها عام 2015، متطلعة إلى تحقيقها بحلول عام 2030، وقد تحدثنا عن هذه الأهداف في مقالات سابقة. أما المحور الثاني لعمل الشبكة فيهتم بموضوع المساواة في توفير التعلم مدى الحياة للجميع. ويركز المحور الثالث على التخطيط للتعلم مدى الحياة ومراقبة التنفيذ وتقييمه من أجل تقويمه وتطويره عند الحاجة.
ونأتي إلى المحور الرابع الذي يهتم بالتعلم مدى الحياة من أجل المواطنة العالمية حيث يحفز هذا الأمر الإنسان على الشعور بالمسؤولية ليس تجاه وطنه فقط، بل العالم بأسره أيضا حيث يجعله على سبيل المثال صديقا للبيئة يهتم بالمحافظة على سلامتها، نظرا لحاجة جميع الأمم إلى ذلك. ويطل هنا المحور الخامس الذي يهتم بالتعلم مدى الحياة من أجل تعزيز ريادة الأعمال، ففي ذلك تفعيل لنشاطات تسهم في توليد الثروة وتشغيل اليد العاملة والإسهام في النمو الاقتصادي.
يبرز، بعد ذلك، المحور السادس ليقوم بطرح موضوع التعلم مدى الحياة من أجل تأمين حياة صحية مرفهة للإنسان، ساعيا إلى تمتع الإنسان بالصحة والسعادة. وهكذا نصل أخيرا إلى المحور السابع الذي يهتم بالأهلية المعرفية بمعنى محو الأمية، ولا شك أن هذه المسألة تختلف بين عصر وآخر، فأعمدة الأهلية التقليدية المتمثلة في القراءة والكتابة والتعامل مع الأرقام لم تعد كافية في هذا العصر، حيث يمثل التعامل مع التقنية مسألة مهمة لتفعيل إمكانات الإنسان في التعامل مع الحياة الحديثة.
إذا نظرنا إلى ما سبق نجد مدن التعلم تسعى إلى الارتقاء بإمكانات الإنسان وتفعيل نشاطاته في الحياة، وفي ذلك خدمة لمتطلبات المدن الذكية وإضافة حميدة لمعطياتها، وتكامل أيضا مع أهدافها وطموحاتها. وعلى ذلك فلعل من المناسب اقتراح التوجه نحو العمل على: توحيد استراتيجية بناء المدن الذكية، التي تسعى إلى الكفاءة والفاعلية ورفاهية الحياة واستدامتها عبر الاستفادة من التقنية الحديثة وخدماتها من جهة، مع استراتيجية بناء مدن التعلم التي تهتم بالارتقاء المتواصل بإمكانات الإنسان وأسلوبه في العمل والحياة، واستجابته للمستجدات وإسهامه فيها عبر التعلم مدى الحياة من جهة ثانية. ويحتاج مثل هذا التوحيد إلى تخطيط مشترك بين جهات مختلفة، يضع النقاط على الحروف كما يتطلب أيضا عملا وجهدا مشتركا بين هذه الجهات على تنفيذ الخطط لتحقيق النتائج المنشودة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي