Author

«البجعات البيضاء» وزعزعة الاقتصاد العالمي «2 من 2»

|
قد تستخدم الحكومة الأمريكية العقوبات لوضع يدها على حيازات الصين وروسيا وغيرهما من المنافسين من سندات الخزانة الأمريكية وتجميدها، ما أدى إلى بيع سندات الخزانة بكثافة مع تحول هذه الدول إلى أصول جيوسياسية أكثر أمانا مثل الذهب. وقد تسبب هذا الخوف إلى جانب خطر يتمثل في زيادة التضخم بسبب العجز المالي الضخم المحول إلى نقد، في ارتفاع أسعار الذهب منذ ذلك الحين حيث ارتفع بنسبة 23 في المائة هذا العام، وبأكثر من 50 في المائة منذ أواخر عام 2018. الواقع أن الولايات المتحدة تستخدم الدولار كسلاح حقا، لكن الدولار أصبح ضعيفا أخيرا مع سعي منافسي وحلفاء الولايات المتحدة على حد سواء إلى التنويع بعيدا عن الأصول المقومة بالدولار.
وتتزايد المخاوف البيئية أيضا. ففي شرق إفريقيا تسبب التصحر في صنع الظروف المثالية لظهور أسراب جراد هائلة الضخامة تدمر المحاصيل وسبل العيش. تشير أبحاث حديثة إلى أن فشل المحاصيل، بسبب ارتفاع درجات الحرارة والتصحر سيدفع مئات الملايين من الناس إلى الفرار من المناطق الاستوائية الحارة نحو الولايات المتحدة، وأوروبا، وغير ذلك من المناطق المعتدلة، في العقود المقبلة. كما حذرت دراسات أخرى من نقاط التحول المناخية، مثل انهيار صفائح جليدية رئيسة في القطب الجنوبي أو جرينلاند حيث قد يؤدي إلى ارتفاع مفاجئ في مستوى سطح البحر.
كما أصبحت علاقات الارتباط بين تغير المناخ والأوبئة أكثر وضوحا. ومع تعدي البشر بشكل متزايد على موائل الحياة البرية أصبحوا على اتصال أكثر تكرارا مع الخفافيش وغيرها من ناقلات الأمراض الحيوانية. وقد تزايدت المخاوف من عودة فيروسات قاتلة مجمدة منذ زمن بعيد إلى الظهور وانتشارها بسرعة إلى مختلف أنحاء العالم، مثل كوفيد - 19 مع ذوبان الجليد دائم التجمد في سيبيريا، لكن لماذا تتجاهل الأسواق المالية بسرور هذه المخاطر؟ بعد هبوطها بنحو 30 إلى 40 في المائة في بداية الجائحة، استرد عديد من أسواق الأسهم معظم خسائرها، بسبب استجابة السياسة المالية الضخمة والآمال في الحصول قريبا على لقاح لكوفيد - 19. ويشير التعافي السريع على هيئة حرف V في الأسواق إلى أن المستثمرين يتوقعون تعافي الاقتصاد السريع على هيئة حرف V.
تكمن المشكلة في أن ما كان صحيحا في شباط (فبراير) لا يزال صحيحا اليوم، فلا يزال من الممكن أن يخرج الاقتصاد عن مساره بسرعة بسبب مخاطر نادرة أخرى، سواء كانت اقتصادية، أو مالية، أو جيوسياسية، أو تتعلق بالصحة العامة، وكثير منها ظل قائما فترة طويلة، وفي بعض الحالات ازدادت حدته خلال الأزمة الحالية. الحق أن الأسواق ليست بارعة للغاية في تسعير المخاطر السياسية والجيوسياسية نادرة الحدوث فضلا عن المخاطر البيئية لأن احتمالاتها يصعب تقييمها. لكن نظرا للتطورات التي حدثت في الأشهر القليلة الأخيرة، لن يكون من المفاجئ أن تتسبب واحدة أو أكثر من المخاطر المعتادة المتوقعة "البجعات البيضاء" في زعزعة أركان الاقتصاد العالمي مرة أخرى قبل نهاية العام.
خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2020.
إنشرها