Author

النفايات .. كنوز اقتصادية مهجورة

|

في نهاية العام الماضي وقع المركز الوطني لإدارة النفايات، وأمانة منطقة الرياض، والشركة السعودية الاستثمارية لإعادة التدوير، إحدى الشركات المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، مذكرة تفاهم ثلاثية لبدء أنشطة الإدارة المتكاملة للنفايات وإعادة تدويرها في مدينة الرياض.
وبموجب هذه الاتفاقية ستعمل الأطراف الثلاثة على تعزيز التعاون والتنسيق المشترك بينها لتنفيذ الاستراتيجية الشاملة لقطاع إدارة النفايات في مدينة الرياض. وتحقيقا لهذه الأهداف الاستراتيجية ستقوم الشركة بحلول عام 2035 بإعادة تدوير 81 في المائة من حجم الإنتاج السنوي للنفايات البلدية الصلبة، الذي يبلغ 3.4 مليون طن سنويا، إلى جانب إعادة تدوير 47 في المائة من حجم الإنتاج السنوي لنفايات البناء والهدم البالغ نحو خمسة ملايين طن سنويا، ورفع وإزالة وإعادة تدوير مخلفات البناء والهدم المتناثرة في الأحياء وشوارع مدينة الرياض، التي تقدر بنحو 20 مليون طن.
هذه الاتفاقية جاءت بعد إجراء صندوق الاستثمارات العامة الدراسات الأولية التي أثبتت أن المملكة كانت تقوم بإعادة تدوير ما يقارب 10 في المائة فقط من المواد القابلة لإعادة التدوير، التي يبلغ حجم إنتاجها السنوي نحو 50 مليون طن، في حين يتم التخلص من نحو 90 في المائة من المواد عن طريق الطمر، ما كان يلحق ضررا كبيرا بالبيئة ويمنع الاستفادة من المواد القابلة لإعادة التدوير.
في دول الخليج العربية يقدر حجم النفايات الصلبة بنحو 92 مليون طن سنويا، حيث تشكل المخلفات الإنشائية 53 في المائة منها والنفايات البلدية 33 في المائة فيما تبلغ النفايات الصناعية 14 في المائة من إجمالي النفايات. وتشكل حصة المملكة من النفايات الصلبة نحو 65 في المائة أو ما يعادل نحو 17 مليون طن سنويا، ليفوق معدل ما ينتجه الفرد السعودي سنويا من هذه النفايات 675 كيلو جراما، وهو من بين أعلى النسب عالميا، حيث يصل هذا المعدل للفرد الواحد إلى 790 كيلو جراما في أمريكا و512 في بريطانيا، و297 كيلو جراما في الهند.
تنقسم النفايات الصلبة إلى عدة أنواع، معظمها ناتج من مخلفات البناء، وأهمها النفايات البلدية والصناعية والزراعية، إلا أن أخطرها النفايات الطبية والنووية والإلكترونية. قبل أيام حذرت منظمة الأمم المتحدة من تفاقم مشكلة النفايات على مستوى العالم، مشيرة إلى أن سكان القرية الكونية الذين يفوق عددهم سبعة مليارات نسمة، ينتجون نحو خمسة مليارات طن من النفايات سنويا بمعدل نمو سنوي يزيد على 10 في المائة.
وأكدت المنظمة ارتباط كمية النفايات المنتجة بمستوى المعيشة وحجم الدخل، فكلما ارتفع مستوى معيشة الفرد وزاد دخله، ازدادت كمية النفايات التي ينتجها. في الدول المتقدمة يرتفع متوسط إنتاج الفرد الواحد من النفايات إلى 700 كيلو جرام سنويا، بينما يراوح هذا المتوسط بين 470 كيلو جراما في الدول النامية و150 كيلو جراما فقط في الدول الفقيرة.
لذا تتبنى الدول المتقدمة سياسات صارمة للتقليل من كمية النفايات المنتجة سنويا وتهتم بعمليات تدويرها بطريقة آمنة. إلا أن بعض هذه الدول الصناعية تقوم بنقل نفاياتها إلى بعض الدول الفقيرة التي تتعرض لضغوط شديدة لقبول دفن هذه النفايات في أراضيها. وهذا يعد مخالفة صريحة لاتفاقية بازل المبرمة بين 163 دولة في 22 آذار (مارس) 1989، التي أكدت خطورة النفايات على صحة الإنسان وحددت التدابير اللازمة للتعامل مع إنتاجها ونقلها وضمان حسن إدارتها ووسائل التخلص منها بطرق سليمة بيئيا.
أما المخلفات الإلكترونية فهي الأسرع تراكما في جميع أنحاء العالم وبشكل يفوق ثلاثة أضعاف جميع المخلفات الأخرى. وتشكل هذه المخلفات حاليا ما نسبته 5 في المائة تقريبا من إجمالي المخلفات الصلبة في البلديات على الصعيد العالمي وتبلغ كميتها أكثر من 50 مليون طن سنويا، وذلك نتيجة زيادة عدد أجهزة الكمبيوتر الشخصية إلى أكثر من مليارين وأجهزة الهاتف الجوال إلى ستة مليارات على مستوى العالم بمعدل زيادة سنوية يصل إلى 12 في المائة. هذه الأجهزة تحتوي على أكثر من ألف مادة كيميائية مختلفة، مثل المعادن بنسبة 49 في المائة والبلاستيك بنسبة 23 في المائة والزجاج بنسبة 18 في المائة والدوائر الإلكترونية بنسبة 2 في المائة، وجميعها من المواد الضارة ذات المكونات السامة التي تلحق الضرر بالجهاز العصبي والدورة الدموية والكلى ولها تأثير سلبي في التقدم والنمو العقلي والجسمي لدى الأطفال إضافة إلى تلويثها للبيئة.
تشير الدراسات إلى أن العالم يعاني اليوم إنتاج ما يزيد على 50 مليون طن سنويا من النفايات الإلكترونية، حيث تنتج أمريكا وحدها 30 مليون جهاز كمبيوتر سنويا، وتتخلص الدول الأوروبية من نحو 100 مليون جهاز هاتف متنقل سنويا، بينما تضاعفت المخلفات الإلكترونية خلال العقد الماضي 400 في المائة في الصين و500 في المائة في الهند و300 في المائة في دول الخليج العربية.
لمواجهة مخاطر النفايات الصلبة عامة والإلكترونية خاصة لجأ عديد من دول العالم إلى تطبيق مبادرات التخلص منها بصورة سليمة وتدويرها صناعيا للاستفادة من مكوناتها. في الدول الصناعية المتقدمة وصل عدد مصانع تدوير النفايات، طبقا لآخر إحصائية صادرة عن الاتحاد الدولي للنفايات الصلبة، إلى 512 مصنعا في دول الاتحاد الأوروبي و121 في أمريكا و98 في اليابان و55 في الصين و16 مصنعا في أستراليا ونيوزيلندا، بينما لا يوجد سوى ثلاثة مصانع في جميع أرجاء العالم العربي.
لذا يخسر عالمنا العربي سنويا 122 مليار دولار نتيجة عدم استفادته من تدوير النفايات الصلبة التي ينتجها، لتبقى هذه النفايات كنوزا اقتصادية مهجورة.

إنشرها