دولة أمريكا والتسوية الخطيرة «1من 2»
تتحمل إدارة الحكومة الأمريكية قدرا كبير من اللوم عن فشل أمريكا في السيطرة على مرض فيروس كورونا كوفيد - 2019. لكن هناك سبب إضافي أقل وضوحا: تسوية كونيتيكيت لعام 1787، التي أعاقت الديمقراطية الأمريكية في مهدها، وقوضت فيما بعد استجابة الكونجرس للجائحة.
في المؤتمر الدستوري لعام 1787، اختلفت الولايات الصغيرة والكبيرة حول أساس التمثيل، حيث ساقت الولايات الصغيرة الحجج لمصلحة المساواة بين الولايات، في حين دعت الولايات الكبيرة إلى المساواة بين الناس. وكان الحل الوسط يتمثل في إنشاء هيئة تشريعية من مجلسين، حيث تتولى الهيئة الأولى أمور الشعب والأخرى أمور الولايات. في مجلس النواب، يجري تمثيل الناس بما يتناسب مع أعدادهم وفي مجلس الشيوخ يمثل كل ولاية عضوان، بصرف النظر عن عدد سكانها.
نتيجة لهذا، تحتل أكبر أربع ولايات اليوم - كاليفورنيا، وتكساس، وفلوريدا، ونيويورك - ثمانية فقط من المقاعد في مجلس الشيوخ، رغم أنها تمثل ثلث سكان الولايات المتحدة. وتذهب ثمانية أصوات أيضا إلى أصغر أربع ولايات - وايومنج، وألاسكا، وفيرمونت، ونورث داكوتا - حيث تمثل في مجموعها 1 في المائة فقط من السكان.
لنتأمل الآن التفاوت في الدخل، الذي يقاس غالبا بمعامل جيني، حيث يشير الصفر إلى المساواة الكاملة، في حين يشير الرقم واحد إلى التفاوت الكامل بين الناس حيث يحصل شخص واحد على كل الدخل. يبلغ معامل جيني في الولايات المتحدة 0.42، وهو الأعلى بين الدول الغنية. ومع ذلك، إذا طبقنا المقياس ذاته للتفاوت على التمثيل في مجلس الشيوخ، فسنجده أكبر، عند مستوى 0.50. يتمتع الناخبون في وايومنج بعشرة أضعاف قوة التصويت التي يتمتع بها الناخبون في تكساس. ولأن التشريع يجب أن يمر عبر كلا المجلسين، فإن التحالفات بين الولايات الصغيرة يمكنها بسهولة عرقلة الإجراءات التي تصب في مصلحة الأغلبية العظمى من السكان. وهذا هو ما يفعله مجلس الشيوخ تحديدا على نحو متكرر.
والتوزيع الجغرافي لحالات كوفيد - 19 والوفيات الناجمة عنها أقل مساواة من توزيع قوة التصويت في مجلس الشيوخ. فبحلول الثامن من تموز (يوليو)، كانت 45 في المائة من الوفيات المسجلة بسبب كوفيد - 19 تتركز في أربع ولايات فقط - نيوجيرسي، ونيويورك، وماساتشوستس، وإيلينوي - في حين تركز 70 في المائة من الوفيات في عشر ولايات. كانت الوفيات منتشرة في جميع الولايات لكن حصيلة الوفيات المجمعة في ألاسكا، وهاواي، ووايومنج، ومونتانا كانت نحو 80 فقط. وخسرت الولايات الـ 25 الأقل تضررا ما مجموعه ثمانية آلاف شخص، 6.4 في المائة من الإجمالي على المستوى الوطني.
عندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب حالة الطوارئ الوطنية في الـ 13 من آذار (مارس)، دخلت الولايات المتحدة حالة الإغلاق على نحو موحد بشكل أو آخر. كانت حالة الطوارئ وطنية، واستجاب الكونجرس بإقرار أربعة إجراءات منفصلة على أساس غير حزبي. لكن بمرور الوقت، جرى تخفيف الإغلاق على أساس كل ولاية على حدة تدريجيا - سواء على المستويين الرسمي أو غير الرسمي - بقدر من التوحيد أقل كثيرا من التجميد الأصلي. وفي أماكن حيث كانت معدلات الإصابة بالعدوى منخفضة وأعداد الوفيات قليلة، بدأ الناس يتنقلون بحرية أكبر مقارنة بالمقيمين في ولايات مثل نيويورك، ونيوجيرسي، وماساتشوستس، حيث كان الناس يموتون أو ماتوا بأعداد كبيرة. وسرعان ما تضاءلت شهية مجلس الشيوخ لمزيد من الإنفاق المخصص للطوارئ.
في الـ 15 من أيار (مايو)، أقر مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون قانون حلول الطوارئ الشاملة للصحة والتعافي الاقتصادي على أساس تصويت حزبي في الأغلب. لكن التشريع لم يحرز أي تقدم في مجلس الشيوخ منذ ذلك الحين. جاءت الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ نتيجة مباشرة لتسوية 1787، التي تمنح حصة غير متناسبة على الإطلاق من المقاعد للولايات الريفية الأقل سكانا التي تميل إلى الجمهوريين. وعلى هذا فقد أصبحت الساحة مهيأة للمأساة منذ فترة طويلة. فسرعان ما بدأ الفيروس ينتشر في ولايات الجنوب والجنوب الغربي، حيث شجعت معدلات الوفاة المنخفضة عدم الاكتراث على نطاق واسع... يتبع.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2020.