Author

استثمارات بحوكمة محكمة 

|

تعد مبادرة صندوق الاستثمارات العامة حتى الآن من أنجح مبادرات رؤية السعودية 2030، بعد أن تمت إعادة هيكلته تحت رئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وتكوين مجلس إدارته، إذ احتل الصندوق المركز التاسع - ولأول مرة - بين أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم، وفق آخر تحديث لمعهد صناديق الثروة السيادية، بحسب مقاييس الأصول التي بلغت نحو 360 مليار دولار أي ما يعادل ارتفاعا يبلغ 137 في المائة مقارنة بعام 2015، ليقترب بذلك من تحقيق المستهدف للأصول المدارة وفقا لبرنامج صندوق الاستثمارات العامة 2018 - 2020، أحد أهم برامج تحقيق رؤية المملكة 2030.

ومن يتأمل في إسهامات الصندوق محليا فإن هذا التصنيف سيرتفع دون شك، فالصندوق واحد من أهم الصناديق السيادية التي تسهم في تنمية اقتصادها، فالصندوق يعمل على مشاريع عملاقة في نيوم وفي الرياض والدرعية وفي كل أنحاء الوطن تقريبا، كما أن صفقة "سابك" التي تمت بين الصندوق وشركة أرامكو نموذج للتنمية الاقتصادية وتنويعها، ولا توجد اليوم منطقة ليس فيها مشروع أو شركة تعمل تحت مظلة الصندوق، فهو يعمل اليوم على أهم قضايا التنمية ومشاريع الازدهار الحضاري والاقتصادي في المملكة، كما يعمل بنشاط منقطع النظير لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030، جنبا إلى جنب لتحقيق أهدافه الرئيسة المتمثلة في تعظيم قيمة أصوله، وهذا العمل الدقيق والنشط يتطلب بنية قوية ومحكمة للقرار ليكون ذا جودة عالية وتوقيت مناسب، وحيث يحقق أفضل ضمانات للاستثمارات وفقا لقواعد الاستثمار المتعارف عليها، وأيضا أن تكون هذه الاستثمارات في مجالات تحقيق مستهدفات "الرؤية"، وهذا التوازن الصعب يجب أن يحدث في ظل عملية سريعة لاتخاذ القرار فالفرص لا تنتظر أحدا.

وقد تابعنا خلال فترة الأزمة العالمية الحالية أن هناك عديدا من الفرص السانحة بسبب تقليص الأعمال لكثير من الشركات العالمية ونقصا حادا في السيولة، ففي تحرك لافت على الساحة الاستثمارية، تمكن صندوق الاستثمارات العامة السعودي في الآونة الأخيرة من اقتناص عدد من الفرص الاستثمارية المتنوعة محليا ودوليا، حيث تنوعت محفظته الاستثمارية في عدة قطاعات وأصول على امتداد جغرافي واسع وتوسعت الاستثمارات في قطاعات حيوية تشمل البنوك، الطاقة، التكنولوجيا، الطيران، النقل، السياحة، الإعلام، الترفيه، البنية التحتية، الأدوية، نظم الاتصالات، والأغذية والمشروبات.

وهذا التحرك السريع والمتميز يتطلب توازنا بين متطلبات القرار السريع والتوقيت المناسب له وبين قواعد الحوكمة الجيدة والرقابة، وهذا يتطلب أن يكون لصندوق الاستثمارات العامة نظام حوكمة متميز يتناسب مع مكانته المتميزة وسمعته الدولية، فمع وجود مجلس إدارة قوي وفعال برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، هناك عدة لجان تعمل بكفاءة عالية، لكن في هذا الطرح يجب أن نقف جيدا أمام ترؤس الأمير محمد بن سلمان بصفته وليا للعهد مجلس الإدارة وهو نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وهذا يمنح مجلس الإدارة تصورا واضحا بالاتجاهات والسياسات الاقتصادية العامة ويضمن ربط بعضها بعضا.

وحقيقة القرار في الصندوق لن يأتي متعارضا مع السياسات العامة والتوجهات الاقتصادية أو السياسية للدولة، ولن يكون هناك تعارض في المصالح نظرا لهذا الترابط بين المجالس. وعلى الرغم من الأهمية الشديدة لهذا الأمر فإن تميز حوكمة الصندوق يذهب بعيدا نحو أسلوب مختلف ومتميز مبني على ضمان الثقة في أربعة أنشطة أساسية هي الاستثمار، والرقابة وأنشطة التوظيف والمكافآت، وأنشطة التخطيط الاستراتيجية. وهذا يتم من خلال أعمال لجان مرتبطة بمجلس الإدارة وهي لجنة مجلس الإدارة، اللجنة التنفيذية، لجنة الاستثمار، لجنة المراجعة والمخاطر والالتزام، ولجنة المكافآت، وهذا الهيكل المتكامل للحوكمة يتابع ويشرف ويوجه الجهاز التنفيذي المكون من أفضل الخبرات المتخصصة في مجالات الصندوق.

وقد نشرت «الاقتصادية» يوم الأحد 5 تموز (يوليو) 2020 تقريرا متكاملا عن التفاعل المحكم أيضا بين الحوكمة والعمل التنفيذي في الصندوق، فالجهاز التنفيذي يعمل على إعداد الدراسات للأنشطة الاستراتيجية والتشغيلية، وعلى المقترحات، سواء كانت استثمارية أو غير استثمارية، ليتم رفعها لمجلس الإدارة ولجانه الفرعية لاتخاذ القرارات، لكن لضمان تغطية هذه المجالات بشكل جيد، فإن حوكمة الصندوق تقدم نماذج جديدة من الحكم الجيد للقرار من خلال لجان على مستوى الإدارة التنفيذية نفسها، وهي لجان تغطي مجالات إدارة الاستثمار، والأعمال الإدارية، ولجان ترشيح شركات المحافظ الاستثمارية، ولجنة إدارة المخاطر، ولجنة إدارة السيولة.

وبهذا فإن الدراسات والمقترحات لا ترفع لمجلس إدارة الصندوق مباشرة، بل تخضع لمراجعات وفحص دقيق، ما يجعل المجلس وقراراته يتمتعان بشفافية عالية وبنضج كبير وفوق هذا رقابة متقنة ودقيقة. ومرة أخرى، فإن التحدي الذي يواجه هذا الفريق الضخم هو عامل الزمن، إذ أجمع الخبراء على أن القرار الجيد يجب أن يكون في الوقت المناسب أيضا، وفي ظل توسع كبير في الأعمال واللجان فإن الحفاظ على عامل الوقت يتطلب من هذه اللجان تفرغا وعملا دؤوبا مع نماذج وإجراءات سلسة، إضافة إلى وجود دعم تقني كبير، لكن الأهم هو استعانة الصندوق بخبراء محليين وعالميين متخصصين ووضعهم ضمن هيكلة فريق الحوكمة وأيضا ضمن إدارته التنفيذية، هذا في مجمله يصنع النموذج الفريد للحوكمة والقرار في صندوق الاستثمارات العامة ويمنح شعورا عاما بالرضا والثقة بقراراته وبتحقيقه التطلعات ليصبح قوة استثمارية عالمية تعمل على تطوير الاقتصاد، وتمكين جميع قطاعاته في المملكة.

إنشرها