Author

حتى نتفادى اقتصاديا آثار حرب عالمية ثالثة

|

* رئيس مجلس إدارة شركة أبناء محمد السعد العجلان

عندما يمر الإنسان بتجربة يقترب فيها من خطر فقدان الحياة، فإن هذه التجربة تجبره على إعادة حساباته وأولوياته، فاليوم الاقتصاد العالمي يمر بأزمة اقتصادية غير مألوفة وغير مسبوقة، ومتنامية بسرعة وحجم قياسي أربك الجميع وأذهلهم، وليس بمستغرب حين نقول إن تداعيات هذه الأزمة الاقتصادية توازي بآثارها آثار حرب عالمية ثالثة كبرى، دون إطلاق رصاصة واحدة.
إن ما نراه اليوم ليس سوى دوائر صغرى نتيجة أثر الحجر الاقتصادي الكبير الذي ألقاه كوفيد - 19 في بحار الاقتصاد العالمي، أما الدوائر الكبرى فلن نعيشها على حقيقتها إلا في نهاية 2020، وخلال 2021، وهذا ما سيصبح مسماه بعنوان: العالم بعد كورونا.
لذلك، علينا ونحن نعالج أزمتنا الاقتصادية، إدراك أن طريقة حل الأزمات لا تخطئ في صياغة نتائجها، لأنها تأتي طبقا للمسببات، وأرجو وضع خط تحت العبارة السابقة، فالقضية في إطارها الاقتصادي تعنى كثيرا، بفهم المعلومة أولا وتحليلها، فعندما نعجز عن صياغة المشكلة فكريا، ومن ثم نعجز عن التصرف في الإمكانات لحلها، فعجزنا هنا سيكون مزدوجا، وهذا ما يسمى التسمم الاقتصادي، الذي يصعب تفكيكه مع مرور الزمن. تسمم ينتج معه تضاعف التراكمات وتعاظم النتائج والآثار السلبية البسيطة، لتتحول بدورها إلى مزيد من حالات التسمم الجديدة، وبمسميات جديدة توسع من مساحات حجم القطاعات المتأثرة.
وعليه، على صانع المعلومة ومؤطرها، الذي يقدمها بدوره لصانع القرار ومتخذه، أن يوسع من محيط النقاش في المجال الاقتصادي، ويعطي مزيدا من مساحة الحوار، خاصة مع ممارسي الأعمال أنفسهم، ومن مختلف جذورها، لأنهم في حقيقة الأمر نبض المريض، الذي يرشد الطبيب عن مدى استجابة جسده للدواء بعد وصف دقيق للداء. لذلك، فإننا نستطيع القول إن التحدي اليوم الذي نواجهه في مهنة علم الاقتصاد، هو تطوير اقتصاد جزئي متوافق مع سلوك الاقتصاد الكلي، ولا بد أن يكون مع المنظرين الاقتصاديين ممارسو العمل الاقتصادي، لأنهم هم من سيلبسون الثياب المصنعة بمقاسات متنوعة بعد صدور القرارات.
الممارس للعمل الاقتصادي هو العنصر البشري الذي يعمل في حقول الاقتصاد الوطني بمعوله وليس بقلمه فقط، فالأمر ليس بتبادل الأدوار، وإنما بتكاملها. ولعل حامل المعول يأخذ جولة بسيطة ليحمل قلما فيخط ويحلل ويوثق خبرته وما مر به من تجارب وأحداث، وهنا يكون الوصف الأدق للداء، وعليه سيكون التقرير الأنسب لنوع الدواء وكميته وفترات وكيفية أخذه مع معرفة مسبقة لأي آثار سلبية مصاحبة له. وفي هذا الإطار نفسه نوجز بعض الاقتراحات، كما يلي:
1. الضرائب: وهي التي تعد أحد أعمدة الاقتصاد الحديث، وهي بمنزلة دواء لا بد منه، لكن لها معايير وشروط مهمة، من حيث متى تطبق وكيفية تقديرها وتحصيلها وأين تصرف. وهنا نضمن أنها في المسار السليم لتحقيق الهدف.
2. حتى نكون على الرصيف الآمن، خاصة أن الأفق الاقتصادي يشوبه كثير من الغموض، فالأزمة عالمية وليست محلية فقط، لذا أرى أن نتريث بحيث لا نتوسع في الاستثمارات الخارجية، ولو مؤقتا، نظرا إلى ارتفاع معدلات ونسب المخاطرة فيها حاليا، وفي المقابل، وكبديل إيجابي، علينا أن نتوسع في الاستثمار الداخلي بشكل محافظ ومتوازن، خاصة في القطاعات التي تحتاج إلى دعم وضخ استثمارات كبيرة، مع التركيز على الاستثمار في البنى التحتية وأساسيات الحياة، التي يواجهها العالم كله اليوم، وسيواجهها غدا بشكل أكثر خطورة وحجما، كالمياه والصحة والتعليم والسكن والغذاء والأمن المجتمعي والمواصلات والموانئ والمطارات، وغيرها.
3. أتمنى من صندوق الاستثمارات العامة التركيز على الميز التنافسية لكل منطقة جغرافية في المملكة، ما سيوجد حراكا صناعيا وهجرات سكانية عكسية، فبلادنا غنية بالثروات الزراعية والمعدنية والمساحات الجغرافية والسواحل المائية غير المستغلة.
4. أتمنى كنوع من آلية تنشيط المنتج المحلي في المحافظات والمراكز ومناطقها على مستوى المملكة، أن يستحدث معيار ومقياس أداء وجودة لكل محافظ أو رئيس مركز، بحيث يكون معيار النجاح بما يقدمه من أرقام اقتصادية إنتاجية لكل منطقة، وما يكشفه من ميزة اقتصادية وتنافسية لمنطقته كذلك، بحيث نوجد بيئة عملية إنتاجية ومزيدا من ثقافة العمل، وتنظيم أوقاته لمزيد من أعمال حرة وأعمال الأسر المنتجة، وتطويرها وتحسين مدخلاتها.
5. ما أتمناه في تنشيط وتحفيز القطاع الأهلي، خاصة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، دعمها بعدم تحملها أعباء مالية، على الأقل حتى نهاية الربع الثاني من 2021، والأهم مزيد من توفير أسس النجاح والتطور للشركات الصغيرة والمتوسطة، والتأكد من أنها خرجت من آثار الصدمة الاقتصادية ومرحلة فقدان الاتزان والخمول أثناء أزمة كورونا.
6. أجزم أن الحراك الاقتصادي اليوم سيكون الأفضل له أن يكون ذا طابع محلي من حيث التخطيط والتنفيذ، لأن هناك نقاطا صغيرة مبعثرة ومتنقلة على كل دائرة اقتصادية، هذه النقاط سيكون من الصعوبة بمكان على غير ابن البلد فهمها أو حتى ملاحظتها من أساسه. ولأن الأمثال هي عصارة تجارب الشعوب، فأختم مقالي هذا بالمثل الشعبي: "الدبره في الدار خير من الحدار".
إنشرها