ثقافة الاعتذار

هناك بعض الثقافات يغيب عن بعض المجتمعات الإنسانية، إما بسبب موروث اجتماعي خاطئ، وإما بسبب عدم إحياء مثل تلك الثقافات والحث عليها. ومن تلك الثقافات التي لم تعد ترى إلا نادرا، خاصة في المجتمعات العربية، هي ثقافة الاعتذار، على الرغم من أن تاريخنا زاخر بمثل هذا المفهوم، فصفوة البشر، وهم الأنبياء والرسل، قدموا اعتذاراتهم لأخطاء قدر لهم أن يقعوا فيها. ثم انظر إلى الصلاة، وهي إحدى أهم الشعائر الدينية، ألسنا نسجد للسهو أحيانا؟ إنه اعتذار لله - سبحانه - عن أمر وقع فيه المصلي من زيادة أو نقصان أو تقديم أو تأخير. إن الاعتذار خلق نبيل وبرهان صدق للقلوب الحية، يكسب القلب راحة نفسية داخلية، لأنه لا يبقي في داخله أي شيء ضد الآخرين وينبئ عن ثقة بالنفس وقوة في الشخصية، خلاف ما يتوهمه البعض من أنه لا يعتذر إلا ضعيف الشخصية، فتجد الرجل يخطئ في حق امرأته عن قصد أو عن غير قصد، ثم تأخذه العزة بالإثم فلا يعتذر إليها حتى لا تنتقص رجولته، حسب تصوره الخاطئ، وتجد المرأة هي الأخرى قد تخطئ في حق زوجها، ثم تحجم عن الاعتذار ظنا منها أن ذلك يضعف شخصيتها أمام زوجها. صحيح أن الاعتذار قد لا يكون فطريا جبليا، لكن من المؤكد أنه يمكن اكتسابه من خلال التعلم والممارسة. إننا يجب أن نعلم أبناءنا منذ نعومة أظافرهم الاعتذار إذا ما أخطأوا، ونشعرهم أن قيامهم بالاعتذار ليس شيئا معيبا أو ينقص من قدرهم، بل دليل قوة وشجاعة. وعلينا أن نقبل أعذارهم حتى لو كان خطؤهم جسيما، وعلى المربين من المدرسين والمدرسات أن يعودوا طلابهم على هذه الثقافة، ويجب على الجانب الآخر أن يقبل عذر المعتذر، «إذا اعتذر الجاني محا العذر ذنبه ** وكل امرئ لا يقبل العذر مذنب»، ويقول آخر، «إذا ما امرؤ من ذنبه جاء تائبا ** إليك فلم تغفر له فلك الذنب».
إن تعزيز ثقافة الاعتذار في مجتمعاتنا مطلب ملح وأمر نحن في أمس الحاجة إليه. نريد أن تكون جزءا أساسا من مكوناتنا الفكرية، سواء على المستوى الفردي أو المجتمعي، لأن الخطأ سلوك بشري مستمر ويلزم إصلاحه لنهنأ بمجتمع مثالي. ألم يقل - عليه الصلاة والسلام -، «كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون».

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي