ضبط الاقتصاد العالمي .. تعاف أشمل للجميع «1من 2»

تلحق الأزمة المترتبة على جائحة كوفيد - 19 أكبر الضرر بمن هم أكثر قابلية للتأثر بها. فيمكن أن تؤدي هذه الكارثة إلى زيادة حادة في عدم المساواة في توزيع الدخل. ويمكن أيضا أن تهدد المكاسب التنموية المحققة من التحصيل التعليمي إلى الحد من الفقر. وتشير التقديرات الجديدة إلى أن عددا يصل إلى 100 مليون نسمة على مستوى العالم يمكن أن تدفع بهم الظروف إلى هوة الفقر المدقع، ما يتسبب في محو كل المكاسب التي تحققت في الحد من الفقر خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
ولهذا يجب على صناع السياسات القيام بكل ما في وسعهم لتشجيع تعاف أشمل للجميع، يستفيد منه كل شرائح المجتمع دون استثناء، ويركز البحث الجديد، الذي أعددناه بالشراكة مع البنك الدولي لمجموعة العشرين، على كيفية زيادة قدرة الناس على الوصول إلى الفرص، أيا من كانوا وأيا كانت الخلفية التي يأتون منها. فتعزيز المساواة في الحصول على الفرص يرتبط بتحقيق نمو أقوى وأكثر استدامة ومكاسب أكبر في الدخل بالنسبة للفقراء. لكن إطلاق الإمكانات الكاملة لكل الأفراد ليست مهمة سهلة.
والواقع أن الأسر منخفضة الدخل تواجه مخاطر صحية أكبر بسبب الفيروس. فهي تتحمل تبعات الارتفاع الحاد في معدلات البطالة، كما أنه يرجح أن تكون استفادتهم أقل من فرص التعلم من بعد. وقد تتأثر تغذية الأطفال أيضا بتوقف الوجبات المدرسية. وطبقا لتقديرات الأمم المتحدة هناك أكثر من نصف مليار طفل على مستوى العالم فقدوا فرصة التعليم نتيجة الإغلاق العام بسبب فيروس كورونا. وكثير منهم لن يعودوا إلى فصولهم الدراسية بعد الجائحة، مع احتمالات أكبر لتسرب البنات من التعليم مقارنة بالأولاد.
ومظاهر عدم المساواة هذه صادمة بحق لكنها لا تمثل مفاجأة. فنحن نعلم من خبرتنا ومن تحليل الصندوق الذي صدر أخيرا أن الأوبئة الكبرى غالبا ما تفاقم حالة عدم المساواة في توزيع الدخل الموجودة قبل وقوعها.
وحول النقاش بالنسبة لاستجابة السياسات لا نظير لها، فإن الخبر السار هو أن الحكومات حول العالم بادرت باتخاذ إجراءات استثنائية من خلال السياسات سعيا لإنقاذ الأرواح وحماية الأرزاق. وتتضمن هذه الإجراءات تكثيف الجهود لحماية الفقراء، حيث بادر كثير من الدول بزيادة المعونات الغذائية والتحويلات النقدية الموجهة للمستحقين. وعلى مستوى العالم، تصل إجراءات المالية العامة حتى الآن إلى ما يعادل عشرة تريليونات دولار تقريبا.
لكن بالنظر إلى حدة الأزمة، فمن الضروري بذل جهود كبيرة إضافية. ويشمل هذا اتخاذ الإجراءات اللازمة لتجنب إلحاق ضرر بالغ بالاقتصاد، بما في ذلك الضرر الناجم عن فقدان الوظائف وزيادة عدم المساواة. ومن الواضح أن إتاحة مزيد من الفرص أصبح الآن أهم من أي وقت مضى حتى نتجنب الزيادة المستمرة في عدم المساواة.
وعلى هذه الخلفية، أود تسليط الضوء على ثلاث أولويات:
ـ استخدام التحفيز المالي بحكمة
سيلزم القيام بتحفيز مالي كبير أثناء مرحلة التعافي لتعزيز النمو والتوظيف. فنحن نعلم من الأزمة المالية العالمية أن الدول التي فقدت جزءا أكبر من ناتجها مقارنة بمستواه السائد قبل الأزمة كانت تتسم في الأغلب بزيادات أكبر في عدم المساواة.
لكن ضمان العودة إلى النمو لا يكفي. فلنتذكر إصلاحات ما بعد الأزمة المالية العالمية والاستثمارات التي أكسبت النظم المصرفية صلابة أكبر. إننا بحاجة إلى طفرة مماثلة في الإصلاحات والاستثمارات أثناء مرحلة التعافي حتى نحقق تحسنا ملموسا في الآفاق الاقتصادية لمن هم أكثر عرضة للخطر.
وبالتالي، سنحتاج إلى تحفيز مالي يعود بالنفع على الأفراد. ويعني هذا زيادة الاستثمارات العامة في الرعاية الصحية من أجل حماية الفئات الأكثر ضعفا وتقليص المخاطر التي تترتب على الجوائح المستقبلية. ويعني أيضا تقوية شبكات الأمان الاجتماعي، والتوسع في إتاحة التعليم عالي الجودة، والمياه النظيفة، والمرافق الصحية، والاستثمار في البنية التحتية المراعية لتغير المناخ. ويمكن أيضا أن تتوسع بعض الدول في إتاحة خدمات رعاية الطفل عالية الجودة، التي يمكن أن تعزز مشاركة النساء في سوق العمل وتدعم النمو طويل الأجل.
وتكتسب هذه الجهود أهمية بالغة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة لكن كيف يمكننا تحقيق زيادة ملموسة في الإنفاق إذا كان كثير من هذه الدول يواجه الآن تصاعدا في الدين العام؟ فقد ارتفع الدين العام في الأسواق الصاعدة إلى مستويات لم نشهدها في الـ 50 عاما الماضية.
وقاد صندوق النقد والبنك الدوليان الدعوة إلى تعليق سداد خدمة الديون كإجراء سريع التأثير للدول التي تفتقر إلى الموارد المالية الكافية لمواجهة الأزمة. واستجابت مجموعة العشرين بالموافقة على تعليق سداد القروض الثنائية الرسمية المستحقة على أفقر الدول، وذلك اعتبارا من بداية أيار (مايو) حتى نهاية عام 2020.
وعلى المدى المتوسط، ستكون هناك فرصة لتحسين كفاءة الإنفاق وتعبئة قدر أكبر من الإيرادات العامة. وستكون هناك فرصة أيضا لإجراء إصلاح ضريبي، فعلى سبيل المثال، يمكن لبعض الاقتصادات المتقدمة والصاعدة رفع معدلاتها العليا لضرائب الدخل الشخصي دون إبطاء النمو. ويمكن أن تعمل الدول على التأكد من أن نظام ضرائب الشركات يرصد جزءا ملائما من المكاسب غير المعتادة التي يحصل عليها الفائزون في الأزمة التي قد تشمل مكاسب الأنشطة الرقمية.
وينبغي بذل جهد منسق لمكافحة التدفقات غير المشروعة وسد الثغرات الضريبية، سواء على المستويين المحلي أو الدولي... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي