Author

مبدأ الشفافية .. العدو اللدود لآفة الفساد

|

في القرآن الكريم تكررت كلمة الفساد 50 مرة، لتشمل حميع صفات الشر ابتداء من الكفر والشرك والنفاق والعلو في الأرض بغير حق إلى قطع الأرحام وإغلاق أبواب الخير وفتح أبواب الشر والإسراف وسفك الدماء والتعدي على حقوق الآخرين وسلبها من أصحاﺑﻬا وضعف الولاء وسرقة المال العام. ومع ذلك جاءت ست دول إسلامية، وهي سورية والصومال وأفغانستان وأوزبكستان والسودان والعراق، في قاع مؤشر الدول الأكثر فسادا في العالم، بينما حققت نيوزيلندا والدنمارك وفنلندا والسويد وسنغافورة والنرويج وهولندا وأستراليا وسويسرا أفضل المراتب في مكافحة الفساد.
وفي معاجم اللغة تم تفسير الفساد بأنه عكس الإصلاح لكونه خيانة للأمانة وتدميرا للنزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال المحاباة والمحسوبية، وإساءة استخدام السلطة لأهداف غير مشروعة، كالرشوة والابتزاز والاختلاس والتقاعس في أداء الواجبات، وما ينتج عنها من انحرافات مالية ومخالفة القواعد والأحكام القانونية التي تحكم سير الأعمال في كل القطاعات.
في بداية التسعينيات لاحظ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن آفة الفساد تترعرع في الدول التي لا تطبق الشفافية في أداء أعمال أجهزتها الحكومية وقطاعاتها الخاصة، ما أضعف جهود هذه الدول المبذولة للحد من نتائج الفساد الوخيمة على أهدافها الإنمائية وأمنها الوطني. كما توصل البنك الدولي إلى أن غياب الشفافية أدى إلى استغلال الأقوياء للسلطة التي لا يستحقونها، وسلب الضعفاء من استغلال الفرص التي يستحقونها.
في عام 1993، تم تأسيس منظمة الشفافية الدولية التي أخذت على عاتقها محاربة الفساد بصفته آفة العصر الأولى، لتملك هذه المنظمة اليوم 103 فروع في 100 دولة، وتراقب مستوى الشفافية في 183 دولة لتصدر تقاريرها السنوية الموثوقة. وأوضحت هذه التقارير النتائج الخطيرة للفساد، التي تؤدي إلى الفقر والجوع والمرض والحرمان وتعريض حقوق الإنسان للإنكار والضياع وتشويه التجارة المحلية والدولية، ما يؤدي إلى تهديد الأمن الوطني والدولي وديمومة المصادر الطبيعية.
اليوم، أصبح هدف منظمة الشفافية الدولية يصب في توفير مناخ الشفافية والاستشراف على أرض الواقع، ونشر الوعي العالمي بحجم الأضرار الناتجة عن الفساد في كل المجالات ومختلف الدول، خاصة في مجال البنية التحتية للدول النامية وتركيز الاهتمام على الكوارث البيئية والتنموية الناتجة عن الفساد. وأدى نجاح هذه المنظمة، التي تعد أكبر منظمة غير حكومية في العالم، إلى تشجيع هيئات الرقابة المركزية لمكافحة الفساد لتكون ممثلة في المجتمع المدني للتأكد من تحقيق أعلى درجة من الشفافية.
ولاحظت المنظمة أن الدول الأكثر شفافية في العالم تكون أقل فسادا من غيرها، لذا أحرزت المملكة خلال العام الجاري تقدما بسبعة مراكز عالمية على مؤشر الشفافية، لتحقق المركز الـ 51 عالميا، من أصل 183 دولة، وتتقدم في مركزها بين مجموعة دول العشرين لتحقق المرتبة العاشرة، وذلك نتيجة لتطبيق المملكة مبدأ الشفافية في أعمالها الحكومية.
أما الدول الأخرى، التي انعدمت الشفافية في أعمالها فقد جاءت في قاع المؤشر كأكثر الدول فسادا في العالم، مثل الصومال التي جاءت في المركز الـ 182 والسودان في المرتبة الـ 177 والعراق الـ 175 واليمن الـ 164 ولبنان الـ 134 وسورية الـ 129.
وفي تقريرها الأخير خلال العام الجاري أكدت المنظمة أن الفساد تسبب العام الماضي في خسائر فادحة وغير مسبوقة بلغت 1300 مليار دولار على مستوى العالم، لتساوي 1.6 في المائة من الناتج العالمي الإجمالي و5.6 في المائة من قيمة التجارة العالمية، وكانت حصة العالم العربي 40 في المائة من إجمالي هذه الخسائر.
وتعتمد إحصائيات المنظمة على 17 مصدرا للبیانات و13 دراسة ميدانية و11 نبذة تاريخية وعشر درجات تقييمية. وتختص هذه العناصر بمدى تطبيق الدول مبدأ الشفافیة وإتاحة المعلومات وقواعد المساءلة ومنع تضارب المصالح ومراقبة تحویل الأموال والحد من البیروقراطیة المفرطة في القطاع العام، إلى جانب مدى كفاءة الأجهزة الرقابية والقضائية وقدرتها على تنفیذ الأحكام وحصر الفساد. أما مؤشر مدركات الفساد فيستند إلى مجموعة من الاستقراءات والتقييمات التي يتم جمعها من البيانات الصادرة عن المنظمات الدولية، مثل المنتدى الاقتصادي العالمي، ومنظمة البصيرة العالمية، والمعهد الدولي للتنمية الإدارية، ووحدة التحريات الاقتصادية، ومؤسسة خدمات المخاطر السياسية، ومشروع أنماط الديمقراطية.
هذه المنظمات الدولية لاحظت أن انعدام الشفافية يؤدي إلى تصدر آفة الفساد قيم الأعمال الخاطئة في المجتمعات، مثل عدم احترام الوقت والتراخي في تطبيق النظام وعدم الالتزام بالأوامر والقرارات وإفشاء الأسرار واستخدام الغش لإنجاز الأعمال ورفض تحمل المسؤولية وإصدار التعليمات المخالفة للنظام والاعتماد على الوساطة والمحاباة لتسهيل الوصول إلى الأهداف. جميع هذه الثقافات تؤدي إلى خلل كبير في أخلاقيات المجتمع وفقدان الثقة لدى الفرد بأهمية العمل وقيمته وتراجع هيبة النظام العام، وتصبح التجاوزات هي الأصل واحترام النظام هو الاستثناء، ما يؤدي إلى زيادة فجوة عدم الثقة بين الجمهور وأجهزة الدولة.
لذا سارعت المنظمات الدولية إلى مطالبة الدول بتطبيق مبدأ الشفافية، مساهمة منها في التعبئة الدولية ضد الفساد، حيث أنشأت منظمة التجارة العالمية عام 1996 فريق عمل ليقوم بوضع معايير الشفافية الدقيقة في الاتفاقات التجارية الدولية. وفي عام 1997 اعتمدت مجموعة الدول الأمريكية اتفاقية خاصة لمكافحة الفساد وصياغة قوانين الشفافية النموذجية لتجريم الفساد وتأديب الموظفين. وفي 1998 قامت دول الاتحاد الأوروبي بصياغة 20 مبدأ للشفافية لمكافحة الفساد، إضافة إلى إنشاء جهاز للتعاون والمساعدة التقنية وتبادل المعلومات وتقييم أداء الأجهزة الحكومية.
علينا أن نستمر في تطبيق مبدأ الشفافية في جميع قطاعاتنا الحكومية والخاصة لأنه الأداة الفعالة للتخلص من عدوه اللدود آفة الفساد الخطيرة.

إنشرها