Author

المسؤولية المجتمعية لمواجهة كورونا

|

منذ لاحظت الحكومة السعودية سرعة انتشار فيروس كورونا المستجد كوفيد - 19، اتخذت الإجراءات الاحترازية كافة، التي توصي بها منظمة الصحة العالمية، وكان خطاب خادم الحرمين الشريفين، مهما وملهما للشعب وهو يتحدث عن الأيام التي ستلي تطبيق هذه الاحترازات، وأنها ستكون مؤلمة، وهذا الألم لم يكن بسبب عدم القدرة على علاج من يصابون به أو عدم توافر وسائل الحماية الصحية، بل إن الدولة كانت مستعدة وقادرة على ذلك، لكن الألم يأتي من كون السعودية، ومنذ عهد المؤسس، لم تضيّق على الناس في شيء، لا في سفرهم، ولا في تجوالهم، وكان الشخص يدور في المملكة من جميع أطرافها، وغاباتها وصحاريها، لا يسأله أحد، ولا يخشى على ماله أو نفسه أحدا.
ثم لما انتشر الفيروس واقتضت الاحترازات منع التجول الكلي في بعض الأيام، كما شهدته أيام العيد، فإن هذا جديد على وعي وثقافة المجتمع السعودي. والملك لم يكن يريد لهم مثل هذه التجربة وهذا الألم، وهو بالفعل أشد ما واجهناه، ونحن بذلك أخف بكثير جدا من دول واجهت نقصا حادا في المعدات الطبية وطلبت مساعدة الدول، كما شهدت أعدادا كبيرة ممن فقدوا أرواحهم بسبب نقص الأجهزة الطبية أو عدم اكتشاف حالاتهم إلا في وقت متأخر. لكن الشعب السعودي كان يدرك أن منع التجول كان للحفاظ على النفس، وهي أهم غايات الدين الإسلامي الحنيف، كما أن الدولة أمدت المجتمع بالوسائل كلها التي تسهل عليه الحياة في ظل هذه الظروف، ومن بينها تطبيقات "توكلنا" و"أسعفني"، وتطبيقات وزارة الصحة، كما تم دعم القطاع الخاص والعاملين فيه بما يصل إلى 200 مليار ريال.
ونتيجة كل ذلك قلة أعداد الذين فقدناهم بسبب مرض كوفيد - 19، مقارنة بدول العالم، وهذا كان غاية الهدف من هذه الاحترازات. وفي هذا نقول اليوم، إن السعودية نجحت. وبعد هذه الرحلة مع منع التجول وتعليق العمل والصلاة في المساجد، فإن الأسوأ أصبح خلفنا ولو مؤقتا، وهذا يعتمد بعد الله - عز وجل - على وعي المجتمع، الذي تعلم كثيرا عن هذا المرض وخطورته وطرق الحماية منه خلال الأشهر الماضية.
وبتوجيهات من خادم الحرمين الشريفين، وإشراف مباشر من ولي عهده الأمير محمد بن سلمان، أعلنت وزارة الداخلية مراحل تخفيف الاحترازات، التي سيبدأ العمل بها غدا. وكما أشرنا، فإن هذه التوجيهات تأتي بعدما نجحت خطة الاحترازات السابقة، وتمت السيطرة على المرض وتحديد نقاط وبؤر انتشاره بشكل دقيق، كما تمت السيطرة على الحالات الحرجة، وبدأت الحالات النشطة في التراجع. وهذا الرفع التدريجي للاحترازات الصحية سيقيس بدقة مدى وعي الشعب بخطورة المرض ومدى التزامه بالتعليمات فيما يتعلق بالتباعد الاجتماعي، وطريقة معالجة المناسبات الاجتماعية. وهذه الرسالة واضحة جدا، فإن الرفع الجزئي لا يعني زوال الخطر، بل إن الفيروس لم يزل موجودا، لذلك لم يزل كثير من الأنشطة ذات التقارب الاجتماعي معلقا، سواء كانت حكومية أو قطاعا خاصا. فإذا لم يتحقق المطلوب وعاد المرض إلى الانتشار وزادت بؤره - لا قدر الله - وأصبح قريبا من الخروج عن السيطرة، فإن الدولة قد تعود إلى الحالة السابقة مرة أخرى. لذا، فإن الالتزام بالتعليمات ورفض من يصرون على مخالفتها والإبلاغ عنهم، فيه حماية للمجتمع كافة وتحقيق لمقاصد الشريعة. وإذا أظهر المجتمع تعاونا كافيا، ونجح في تحقيق نموذج جديد للتعايش مع الفيروس بما يحقق حماية حقيقية للناس، فإن الدولة ستمضي قدما في رفع الاحترازات حتى نصل إلى يوم 29 شوال، الذي سيكون عيدا بين عيدين، وستتم فيه إعادة الحياة كما كانت. وهذا الوصول يحتاج قبل كل شيء إلى وعي وذكاء مجتمعي واسع النطاق.
وهنا، نعتقد أن المجتمع وذكاءه الجمعي، في اختبار حقيقي، وكلنا على ثقة بأن الجميع سيلتزم بالتعليمات حتى نعبر هذه المرحلة الأخيرة من هذه المعركة مع هذا العدو الشرس. ولا بد أن نقف ونقول إن الأمر أصبح مسؤولية مجتمعية، ولا بد من ضرورة رفع شعار الالتزام بالإرشادات الصحية الآن ومستقبلا، ولا بد من التكاتف من أجل تجاوز المرحلة المقبلة، وهي الفترة المهمة حتى يتم الخروج إلى بر الأمان.
ونكرر، إنه لا بد من ضرورة الحث على التباعد، وهو الحل الجاد لمكافحة هذا الفيروس، وعدم تجاهل تطبيق التوجيهات الصحية المطلوبة، وعلى كل فرد قيادة حملة بث الوعي بين جميع أفراد المجتمع. حفظ الله السعودية من كل شر.

إنشرها