الأرجنتين وكيفية تجنب كارثة مالية عالمية «2 من 2»
اقترحت الأرجنتين إعادة تمويل الدين الحالي بمعدلات فائدة آمنة منخفضة، ومن ثم تجنب الحاجة إلى فرض تخفيض على رأس المال. في الواقع، تماشيا مع القانون الأرجنتيني، يتضمن عرض الصرف تخفيضا رمزيا صغيرا للقيمة الاسمية للديون التي يجب - من وجهة نظري - إلغاؤه في أي صفقة نهائية، وعلى غرار عملية إعادة تمويل الرهن العقاري، فإن السندات الحالية سيتم استبدالها بسندات تعكس أسعار الفائدة المنخفضة اليوم. لكن بدلا من معدل فائدة يساوي سعر سندات الخزانة الأمريكية. تقدم الأرجنتين معدل فائدة 2.3 في المائة، أعلى من عوائد سندات الخزانة في محافظ دائنيها.
وهناك تفاصيل عن فترات إمهال، والمسارات الزمنية لعمليات أداء الفوائد التي يجب التفاوض بشأنها، وصقلها، ووضع اللمسات الأخيرة عليها في ضوء الحقائق الاقتصادية المروعة والمتطورة.
لكن أطوار الدائنين غريبة، فهم يزعمون أن الأرجنتين تفرض خفضا كبيرا لقيمة الديون رغم عدم وجوده أساسا. إذ تقترح حكومة الأرجنتين عائدا آمنا أعلى من سعر الفائدة الآمنة للولايات المتحدة، وعرضها صحيح من الناحية المنطقية. لماذا عليها أن تلتزم بسعر فائدة مرتفع للغاية يسبب خطر التخلف عن السداد الذي يقوم عليه؟ ولماذا يفضل الدائنون تخلف الأرجنتين عن السداد على التعافي الاقتصادي؟
الدائنون يحسبون خفض قيمة الديون المزعومة في عرض الأرجنتين باستخدام معدل خصم بقيمة 10 - 12 في المائة، كما لو أنهم يستحقون عائدا خاليا من المخاطرة 10 في المائة أو أعلى، عندما يكون معدل سندات الخزانة الأمريكية أعلى بقليل من 1 في المائة، وتساير الصحافة المالية هذه الظروف، حيث تشير بدافع الإحساس بالواجب إلى أن الأرجنتين تفرض خفضا كبيرا على الدائنين، بينما هي لا تفعل ذلك. وفي الواقع، تقوم الأرجنتين بخفض معدل الفائدة المعرض لخطر التخلف عن السداد إلى معدل فائدة لن يسبب ذلك.
وسأضيف نقطة أخرى. يمكن لبعض الدائنين الرسميين الودودين، أو المؤسسات متعددة الأطراف، تحسين الصفقة من خلال ضمان بعض مدفوعات الأرجنتين أو كلها على السندات الجديدة. وسيكون مثل هذا الضمان رهانا آمنا تماما، ومع معدل الفائدة المنخفض، وهيكل الاستحقاق الجديد، فلن تتخلف الأرجنتين عن السداد.
وغالبا ما تصاب الأسواق المالية العالمية بحالة من الذعر عندما تبدأ دولة واحدة، فضلا عن عديد من الدول، في الانزلاق. إذ من المحتمل أن هناك 30 - 40 دولة تعاني ضائقة مالية شديدة الآن. وتحتاج جميع هذه الدول إلى إعادة تمويل ديونها هذا العام والعام المقبل، إلى أن يعيد الانتعاش من الوباء النشاط الاقتصادي العالمي، ويعيد الإيرادات الحكومية، ويقلل من الحاجة إلى نفقات الطوارئ.
وفي مثل هذه الحالات، تتطلب العقلانية الجماعية في الأسواق المالية توجيهات من صندوق النقد الدولي، وقيادة عدد من الدائنين الرئيسين. وإلا سيؤدي ذلك إلى سباق الدائنين على انتزاع الموجودات "أحد أشكال مبدأ معضلة السجين". إذ يقول كل دائن للآخر، "أنت تعيد تمويل الدين بينما أتلقى السداد، شكرا لك".
وإذا تم التعامل بحذر مع مدفوعات خدمة الدين لهذا العام، يمكن إعادة رسملتها، بمعدلات فائدة منخفضة، بل يجب ذلك من أجل تجنب تراكم مالي. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فإن عام 2020 سيمثل حلقة جديدة مدمرة من الأزمة المالية العالمية.
وعندما أصيبت المصارف بحالة من الذعر عام 1907، كان جي بيربونت مورجان ومصرفه من قاد النظام المالي بعيدا عن حافة الهاوية. وفي عام 2020، يجب أن يكون القائد شركة "بلاك روك" BlackRock، التي كانت تدير أصولا بقيمة 6.5 تريليون دولار في نهاية الربع الأول من العام المالي، وهي أحد الدائنين الرئيسين للأرجنتين. ويمكن لـ"بلاك روك" أن توجه حملة السندات لإعادة تمويل ديون الأرجنتين بسعر فائدة آمن، وتفعل الشيء نفسه مع المقترضين السياديين الآخرين الذين يعانون الوباء.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2020.