وفي الليلة الظلماء

هناك أمور معينة تلعب دورا مهما في حياة الناس، بل في حياة الأمم ونمائها، منها ما هو موهوب كالثروات الطبيعية، ومنها ما هو مكتسب. وتلحظ الأمم أن هذه الأمور المكتسبة قد ينعكس أثرها بشكل كبير يفوق في كثير من الأحيان تلك العطايا الموهوبة. عندما تصاب منطقة ما أو بلد ما، أو ربما العالم بأسره، بظاهرة كونية خطرة، أو بجائحة، يلتفت الناس يمنة ويسرة متسائلين، أين البحث العلمي؟ حينها كأني بالبحث العلمي يردد ويتغنى بقول الشاعر: سيذكرني قومي إذا جد جدهم - وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر. مما يؤسف له، أن هناك بعض الدول لا ترى أهمية البحث العلمي ولا تعطيه ما يستحقه من اهتمام، غير مدركة الدور العظيم الذي يمكن أن يقدمه لها في حال جعلته أولى أولوياتها. إن البحث العلمي مرتكز كل خير للمجتمعات، فبه تحل مشكلات المجتمع المختلفة، وبه نمكن العقيدة الصافية من قلوب البشر"إنما يخشى الله من عباده العلماء". وبالبحث العلمي يردع المعتدي وتطور القدرات التقنية، وبه - بمشيئة الله - يمكن التنبؤ بالمتغيرات والأحداث المستقبلية على مختلف الأصعدة، كالأوضاع الاقتصادية والبيئية والصحية، وغيرها مما يعرف بالمنهج الاستقرائي، الذي يعتمد على دراسة الظواهر في الماضي والحاضر، ومن ثم التعرف إلى ما ستكون عليه في المستقبل. عندما جاءت حمى الوادي المتصدع، قال الناس أين البحث العلمي؟ وعندما جاءت متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد "سارس"، صاح الناس، أين البحث العلمي؟ ثم ها هم الآن مرة أخرى مع انتشار جائحة كورونا ينادون، أين البحث العلمي؟ إنه على الرغم من أن دولتنا السعودية، بدعم حكومي مباشر، تأتي على رأس قائمة الدول العربية في الإنفاق على البحث والتطوير، إلا أن كثيرا من اللوم يقع على عاتق القطاع الخاص، الذي لا نرى له أي أثر يذكر في دعم البحث العلمي، على حين أنه في دولة كاليابان، نجد أن 75 في المائة من أنشطة البحث والتطوير تمول من قطاع الأعمال، وفي أمريكا الشمالية نحو 60 في المائة. ومن أجل توفير أفضل الظروف لأمن الإنسان ورفاهيته وتقدم المجتمعات، فإنه يجب الاهتمام بالبحث العلمي، وتهيئة جميع الظروف المادية والمعنوية للعلماء والباحثين، فالبحث العلمي طوق نجاة لكل المشكلات التي تواجه المجتمعات، وليس ترفا فكريا، كما قد يتصور البعض.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي