هل الصين وراء مشكلات العالم؟
في الأسبوع الماضي أظهرت وثائق استخباراتية أمريكية أن الصين تسترت بقصد عن فيروس كورونا وأخفت عن العالم معلومات مهمة عن حقيقة اكتشافه في أوائل كانون الثاني (يناير) ومدى خطورة عدواه؛ ما أدى إلى انتشاره بين دول المعمورة عامة والدول الأوروبية والأمريكية خاصة.
وأشارت هذه الوثائق إلى أن الصين امتنعت عن إبلاغ منظمة الصحة العالمية طوال شهر كانون الثاني (يناير) حتى تتمكن الحكومة الصينية من تجميع الإمدادات الطبية من الخارج لترتفع وارداتها من الأقنعة والملابس الواقية والقفازات بشكل حاد ولافت للنظر خلال هذه الفترة.
ووفق هذه الوثائق قامت الصين بتضييق الخناق على الأبحاث المتعلقة بالفيروس الخبيث بينما قام كل من جامعة فودان وجامعة الصين لعلوم الأرض في ووهان بحذف أبحاثهما عن أصل الفيروس من على مواقعهما الإلكترونية.
الحكومة الصينية رفضت تلك الاتهامات وبررت موقفها بأنها قامت فور اكتشاف الفيروس بإخضاع الأبحاث المتعلقة بالوباء لمراجعة ومراقبة حكومية قبل نشرها، مؤكدة أنها تتحلى بالشفافية المطلقة حول الإعلان عن حيثيات انتشار الفيروس. منذ انطلاق النظام العالمي الجديد مطلع التسعينيات وإرغام الصين على الانضمام عنوة كعضو فعال في المنظمات الدولية تمهيدا لنبذ المنهج الشيوعي لجأت الصين إلى استغلال عضويتها للالتفاف على مبادئ العولمة وتطويع اتفاقياتها لمصلحتها. وأتقنت الصين الشيوعية باستخدام مزاياها التنافسية على حساب الدول الرأسمالية لتحقق نجاحات اقتصادية لافتة للنظر ومنقطعة النظير، فحازت إعجاب الشعوب الغنية والفقيرة كافة.
وعند انضمامها إلى معقل العولمة في كانون الأول (ديسمبر) 2011 احتفلت الدول الرأسمالية بتحطيم سور الصين العظيم الذي طالما كان يشكل حدودا لا تخترق أمام صادراتهم السلعية والخدمية. إلا أن الصين خيبت آمال الدول الرأسمالية وقلبت معادلاتهم رأسا على عقب بعد أن أحكمت الصين قبضتها على مبادئ العولمة، من خلال المشاركة الفعالة في محافلها واستغلال ثغراتها وتحييد عشوائياتها لرفع كفاءة أداء أسواقها ومواجهة منافسيها من الدول الرأسمالية.
خلال أعوام معدودة أحكمت الصين قبضتها المحكمة والطموحة على مسيرتها الاقتصادية، فأبدعت على مستوياتها كافة في تنفيذ خطواتها وتحقيق أهدافها ومحاسبة المسؤولين المقصرين عن ضعف نتائجها. اختارت الصين أقدر وزرائها وخيرة مفاوضيها لتمثيل حكومتهم كسفراء معتمدين في مفاوضات العولمة الدائرة على مدار الساعة وأغدقت عليهم من الرواتب والبدلات والمزايا أضعاف ما كانوا يتقاضونه في بلادهم الشيوعية؛ ما أثار الإعجاب المشوب بالغيرة من قبل وفود الدول الرأسمالية الغنية. وفي أثناء المفاوضات التجارية حاز الوفد الصيني أفضل نسبة مشاركة بين 164 دولة في الاجتماعات الرسمية وغير الرسمية، ليصبح محط أنظار جميع الدول ومثار إعجاب جميع التكتلات. وعندما أعربت الصين عن رغبتها في الانضمام إلى مجموعة الدول النامية التي تتزعمها الهند والبرازيل، وتشكل 74 في المائة من دول العالم، تهافتت دول المجموعة للترحيب بالمارد الصيني ولجأت إلى تعديل اسم المجموعة ليصبح "مجموعة الدول النامية + الصين" اعتزازا بانضمام الصين إليها وافتخارا باسمها وتقديرا لقوتها أمام المجموعات التفاوضية الأخرى المكونة من الدول المتقدمة.
خلال خمسة أعوام منذ اكتسابها عضويتها في نادي الأغنياء حققت الاستثمارات المباشرة المتدفقة لأسواق الصين أعلى النسب في العالم، وأسهمت في إيجاد 100 مليون وظيفة عمل جديدة لمواطنيها، و100 مليون وظيفة أخرى جاهزة لاستقطاب خريجي الجامعات في العقد المقبل. وهذا ما ساعد الصين على تخفيض نسبة البطالة إلى نصف ما كانت عليه مع تخفيض نسبة الفقر في صفوف مجتمعاتها من 73 إلى 32 في المائة.
من أهم هذه الاستثمارات ما قامت به شركة وول مارت الأمريكية؛ أكبر شركة لتجارة الجملة في العالم، حيث أنشأت هذه الشركة 65 مجمعا لأعمالها في جميع أنحاء الصين بهدف تصنيع وبيع وشراء المنتجات الصينية بالجملة؛ لتحتل الشركة في العام الماضي المركز السادس بين أكبر مستوردي المنتجات الصينية في العالم.
هذه النتائج الباهرة أسهمت في زيادة نسبة النمو السنوي الحقيقي للاقتصاد الصيني إلى 9 في المائة على مدى عشرة أعوام متتالية، إضافة إلى تفوق المارد الشيوعي في زيادة المحتوى المحلي لمنتجاته. بين ليلة وضحاها أصبحت أسواق الصين مرتعا خصبا لاستثمارات كبرى الشركات العالمية الرأسمالية متعددة الجنسيات، ومركزا واعدا لصناعة الطائرات والسيارات وأجهزة الاتصالات والمعدات والقاطرات والمنسوجات والملابس.
إلا أن هذا النجاح أثار حفيظة الولايات المتحدة التي بدأت بالتحقيق ودراسة أسباب تفوق غريمتها، فوجدت أن الصين تمادت في اختراق حقوق الملكية الفكرية لتقنيات الدول المتقدمة في قطاعات الاتصالات وتقنية المعلومات، وقامت بالاستيلاء عليها لتقليدها وتصنيعها بأرخص التكاليف لمنافسة مثيلاتها المنتجة في الأسواق العالمية. وحققت الصين هذا الهدف من خلال ابتعاث طلابها المتفوقين في مختلف المجالات التقنية إلى الجامعات الأوروبية والأمريكية العريقة ليفوق عددهم في العام الجاري نصف مليون طالب.
كما لاحظت الولايات المتحدة أن الصين أساءت استغلال مبادئ واتفاقيات العولمة من خلال تخفيض سعر عملتها لدى تصدير منتجاتها، ورفع هذا السعر عند استيراد منتجات الدول الأخرى، فتفوقت الصين بذلك على الدول كافة؛ لتقفز بصادراتها العالمية من المرتبة الـ 14 إلى المركز الأول وبزيادة سنوية فاقت 20 في المائة، وعائد مالي صاف وصل إلى أكثر من تريليون دولار؛ نصفه كان ناتجا من صادراتها إلى الولايات المتحدة عدوة الصين اللدودة.
كما اكتشفت الدول الرأسمالية أن الصين تستخدم العمالة الفنية، التي لا تزيد رواتبها على دولارين في الساعة، مقارنة بما يزيد على 16 دولارا في الدول الرأسمالية؛ ما حدا بمعظم الشركات الأمريكية والأوروبية واليابانية إلى الاندفاع نحو الاستثمار في الصين لتأسيس مصانعها وإنتاج سلاسل إمداداتها من المنتجات الصينية المصنعة ونصف المصنعة.
نجاح الصين في النظام العالمي الجديد وتحقيق أهدافها في اكتساح أسواق الدول الغنية لفت أنظار الدول الرأسمالية التي اكتشفت أن هذا النجاح جاء نتيجة حتمية لمهارة الصين في الالتفاف على مبادئ العولمة واتفاقياتها. وهذا ما أثار حفيظة الولايات المتحدة لتدخل مع الصين خلال العام الماضي في حرب تجارية لا هوادة فيها. واليوم، تشتد هذه الحرب بسبب عدم إفصاح الصين عن فيروس كورونا؛ لتصبح الصين هدفا لجميع مشكلات العالم الصحية والاقتصادية والتجارية.