Author

البلد الخالي تماما من كورونا .. صدق أو لا تصدق

|

  من الغباء أن يصدق المرء صحة ما تدعيه سلطات كوريا الشمالية من أنها لا تواجه أي مخاطر ناجمة عن وباء كورونا المتفشي في العالم بأسره، لأنها - حسب زعمها - أغلقت حدودها منذ اليوم الأول مع الصين، جارتها وداعمتها الوحيدة ومنشأ الوباء ومصدره، وبالتالي لم تسجل على أراضيها أي حالة إصابة أو وفاة. نقول من الغباء لأن هذا البلد المعزول المنغلق على نفسه منذ عقود، بسبب سياسات نظامه الهوجاء كان أكثر عرضة من بقية دول العالم لتفشي المرض كونه ضعيف الإمكانات والقدرات، وفاقدا لأدنى الأنظمة والمعايير الصحية الكفيلة بالسيطرة على الأوبئة والكوارث، ولنا فيما حدث قبل أعوام حينما اجتاحه موجة مجاعة خير دليل وبرهان.

وبعبارة أخرى: إذا كان الشطر الكوري الجنوبي المتقدم في علومه وتكنولوجياته وبنيته الطبية وخبراته المتراكمة من جهة السيطرة على الكوارث الصحية لم ينجح في صد الأبواب أمام الفيروس الصيني الحالي إلا بعد أن حصد أرواحا كثيرة وتمكن من إلحاق خسائر مادية كبيرة بالاقتصاد المحلي، فما بالك بدولة مثل كوريا الشمالية التي لا تملك عشر معشار ما تملكه سيئول، وليس لديها ما تتباهى به أمام العالم سوى ترسانتها من أدوات القتل والدمار؟
قد يقول قائل، إن عزلة كوريا الشمالية أفادتها على هذا الصعيد. فلا سياح أجانب ينقلون إليها الوباء، ولا مواطنين يـسمح لهم بالسفر فيعودون حاملين المرض. وقد يقول آخر: إن قبضة النظام الحديدية وما غرسه من رعب في قلوب مواطنيه على مدى أجيال متعاقبة، سهل على النظام عملية إبقاء شعبه خاضعا لتعليمات صحية مشددة مثل التزام المنازل وفرض التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات والابتعاد عن الأماكن المكتظة، تحت طائلة الاعتقال والمحاكمة، فلم تعان كوريا الشمالية ما عاناه غيرها، علما أنه لا يسمح في هذه البلاد أصلا بأن يتجمع الناس في حشود عدا الحشود التي ينظمها الحزب الشيوعي الحاكم مرة كل عام للاحتفال باليوم الوطني والتصفيق والمديح للزعيم الأوحد كيم جونج أون ووالده كيم جونج إيل وجده المؤسس كيم إيل سونج.
إن الأسوار العالية التي وضعها نظام بيونج يانج حول كوريا الشمالية، حيث يصعب على المراقب الأجنبي معرفة ما يدور بداخلها، معطوفا على جو الإرهاب والتجسس والرقابة الذي يفرضه على مواطنيه بشكل يستحيل معه إقدام أي من هؤلاء على نقل صورة عن الداخل إلى الخارج، جعل استجلاء الحقيقة فيما خص مدى انتشار كورونا وعدد ضحاياه في هذه البلاد أمرا صعبا. وبالتالي ليس هناك ما يمكن الاعتماد عليه سوى بعض الأخبار التي تحصل عليها، بشق الأنفس، من حفنة من المعارضين لنظام بيونج يانج من المقيمين في كوريا الجنوبية. وطبقا لما نشره هؤلاء فإن الوضع في ديار آل كيم ربما كان أسوأ من أي مكان آخر، لكن تفاصيله بعيدة عن أعين العالم، بسبب سياسات التعتيم والكذب والمكابرة. ولو لم يكن الأمر كذلك لما نشرت صحيفة البلاد الرئيسة "رودونج شينمون" تعليمات ومقالات ونصائح يومية حول كيفية حماية المواطن نفسه من الفيروس المعدي وضرورة لجوئه إلى ابتكار علاجات شعبية إذا ما حالت الأوضاع دون حصوله على المعقمات المطلوبة. وهو ما دفع كوريين شماليين كثيرين لحماية أنفسهم باستخدام الأعشاب والخل والمياه الساخنة وغيرها.
تقول جابرييلا بيرنال الصحافية الخبيرة بشؤون شبه الجزيرة الكورية ما مفاده لنفترض جدلا أن ما تقوله بيونج يانج حول سلامة أوضاعها الصحية صحيح، فماذا عن تأثير قرارها الخاص بإغلاق حدودها مع الصين في ملايين الكوريين الشماليين الذين يعتمدون كليا في حياتهم اليومية على ما يأتي من الصين عبر مدينة داندونج الصينية الحدودية من طعام ودواء ومنظفات وأجهزة؟
مما لا جدال فيه أن إغلاق الحدود الذي سرى مفعوله منذ 26 يناير المنصرم قد أثر سلبا ليس في النشاط الاقتصادي وحجم المتوافر من السلع في الأسواق فقط، وإنما في صحة المواطن وغذائه وبالتالي قدرته على مقاومة الأمراض. فقد أفاد بعض المعلومات المتسربة بأن المعروض من السلع الضرورية قد اختفى بسرعة قياسية، أو حدث نقص حاد فيه، ولا سيما أن المعروض قليل أصلا، أو ارتفعت أسعاره بشكل جنوني فلم يعد المواطنون، وأغلبهم من محدودي الدخل، قادرين على الحصول على ما يعززون به صحتهم ومناعتهم. وهكذا ينطبق في حالة كوريا الشمالية عبارة "من لم يمت بكورونا مات بإغلاق الحدود".
وأخيرا فإنه طبقا لأجهزة الرصد والمتابعة في كوريا الجنوبية، فإن أكثر من سبعة آلاف كوري شمالي اقتيدوا إلى الحجر الصحي منذ بداية الأزمة دون أن يمنع ذلك من انتشار الفيروس، إلى حد أنه أصاب ما لا يقل عن 180 جنديا خلال يناير وفبراير الماضيين، ما قرع جرس الإنذار في صفوف المؤسسة العسكرية وجنرالاتها الخائفين دوما من تعرضهم للتصفية الجسدية عقابا على تقصيرهم، وهذا بدوره قاد إلى مسارعتهم بوضع نحو 3700 عنصر عسكري في الحجر الصيني كنوع من الوقاية وتبرئة الذمة أمام قائد الأمة.

إنشرها