كيف نرفع مستوى خدماتنا اللوجستية؟
أكدت أهداف رؤيتنا الطموحة ضرورة الاستفادة القصوى من مزايا المملكة التنافسية، ومن أهمها موقعها الجغرافي المميز الذي يتوسط ثلاث قارات ويطل على أحد أكثر الممرات المائية ارتيادا، حيث يمر من خلالها 13 في المائة من حجم التجارة العالمية، و30 في المائة من كمية النفط العالمي. من هذا المنطلق طالبت «الرؤية» الأجهزة الحكومية والقطاع الخاص بضرورة التعاون الوثيق وترسيخ الشراكات الاستراتيجية لتعظيم مكاسبنا الاقتصادية الناتجة من تدفق التجارة العالمية بين آسيا وأوروبا وإفريقيا. كما ركزت «الرؤية» على أهمية تطوير خدماتنا اللوجستية القريبة من مصادر الطاقة لتكون حافزا لانطلاقة جديدة نحو الصناعة والتصدير وإعادة التصدير من خلال شركاتنا السعودية إلى جميع دول العالم.
ولتحقيق هذه الأهداف أكدت «الرؤية» ضرورة تيسير الإجراءات الحكومية بكفاءة عالية، وتطوير الأنظمة الجمركية بما يمكن مشغلي منظومة النقل والتخزين وإعادة التصدير من استثمار إمكاناتهم بصورة مثلى في مناطق الإيداع والمناطق الحرة في الموانئ. وهذا سيؤدي إلى تقدم ترتيب المملكة في مؤشر الخدمات اللوجستية من المرتبة الـ49 إلى المركز الـ25 عالميا والمركز الأول إقليميا؛ لتصبح المملكة من خلالها مركزا رئيسا للتجارة العالمية، وتسهم في زيادة صادراتنا غير النفطية من 16 إلى 50 في المائة على الأقل من الناتج المحلي غير النفطي.
هذه الأهداف جاءت قبل صدور نتائج الدراسة المشتركة التي قام بها البنك وصندوق النقد الدوليان ومنظمة التجارة العالمية في منتصف العام الماضي، حيث أجمع خبراء المال والاقتصاد والتجارة على أن الدول ذات التكاليف المرتفعة في الخدمات اللوجستية هي التي تفقد مزاياها الحقيقية وفرصها المثالية. وأكدت الدراسة أن أكبر مصدر لهذه التكاليف لا يتمثل في تكلفة النقل والشحن ورسوم الموانئ ومناولة البضائع والتعريفات الجمركية؛ بل يكمن في تدني مستوى خدمات الأجهزة الحكومية، وتفاقم وتيرة البيروقراطية، وانعدام مبادئ الشفافية والاستشراف التي تعد جميعها عوامل أكثر أهمية للخدمات اللوجستية حتى من التكاليف نفسها.
واعتمدت مقومات الدراسة، التي ترأس البنك الدولي فريق خبرائها، على اختيار الدول الأكثر تصديرا واستيرادا في العالم والأهم ارتباطا بالأسواق الدولية، حيث تم استقصاء أكثر من خمسة آلاف معيار دولي مع نحو عشرة آلاف وكيل دولي للشحن. كما استند التقييم إلى ستة أبعاد أساسية تقع على مقياس يتدرج من الأسوأ إلى الأفضل، شملت كفاءة الخدمات الحكومية، وجودة البنية التحتية المرتبطة بمجالي التجارة والنقل، ومدة عمليات التخليص الجمركي، وسهولة ترتيب الشحنات بأسعار تنافسية، والقدرة على متابعة خطوط سير الشحنات وتتبع مسارها، ومعدلات وصول الشحنات إلى أصحابها في الوقت المحدد لها.
وجاءت نتائج هذه الدراسة لتثبت تفوق ألمانيا بالمركز الأول بين 160 دولة لتحقق أعلى مستوى أداء بنسبة 100 في المائة؛ لكونها تتعامل مع المستوردين والمصدرين من خلال شباك واحد في هيئة واحدة، خالية من البيروقراطية ومتشبعة بالكفاءة ومرتبطة بأفضل بنية تحتية. وجاءت مملكة السويد في المرتبة الثانية بنسبة أداء 99.8 في المائة، لتتبعها بلجيكا بنسبة 99.3 في المائة، ثم النمسا بنسبة 98.8 في المائة، واليابان بنسبة 97.4 في المائة. وحلت الإمارات في المرتبة الأولى عربيا والمركز الـ11 عالميا، بينما جاءت المملكة في المركز الـ55 عالميا والرابعة عربيا بنسبة كفاءة أداء تصل إلى 66.8 في المائة، تلتها البحرين في المركز الـ59 عالميا، والكويت في المرتبة الـ63، بينما تراجعت مصر 11 مرتبة لتحل في المركز الـ67 عالميا والسابع عربيا.
وأوضح البنك الدولي في تقريره أن النتائج الباهرة التي حققها أفضل عشر دول في العالم على مؤشر أداء الخدمات اللوجستية جاءت نتيجة للخطوات الرئيسة المتخذة في هذه الدول التي شملت التالي:
أولا: إعادة هيكلة القطاعات الحكومية المرتبطة بالخدمات اللوجستية التي تشمل الاقتصاد والنقل والتجارة والموانئ والجمارك ومحصلي الضرائب، حيث تتفق هذه القطاعات على إنشاء شباك واحد للخدمات اللوجستية من خلال هيئة نظامية مرنة ومختصة في تحييد البيروقراطية ومنح الصلاحية وحصر المسؤولية.
ثانيا: اختيار المناطق الحرة ومناطق الإيداع في الأراضي التابعة للموانئ والمطارات الصالحة لمشاريع الخدمات اللوجستية، حيث تكون مرتبطة بكل وسائل النقل من سكك حديدية وطرق برية وخطوط طيران دولية؛ ليتم جذب استثمارات القطاع الخاص في هذه الأراضي عن طريق استئجارها لمدد طويلة لا تقل عن 25 عاما وبمبالغ زهيدة، مع التمتع بكل أنواع الدعم والمساندة الحكومية، وتحديث الأجهزة الإلكترونية لتفعيل دور المراقبة عن بعد.
ثالثا: تقليص الرسوم الباهظة المفروضة على الصادرات والواردات، وإعفاؤها من التعريفة الجمركية وضرائب الاستقطاع والقيمة المضافة؛ لكونها موجودة داخل المناطق الحرة أو مناطق الإيداع الخارجة عن النطاق الجمركي.
رابعا: تشجيع الدولة على إنشاء الشراكات الاستراتيجية بين القطاعين الحكومي والخاص؛ لتشغيل المناطق الحرة ومناطق الإيداع للاستفادة من مقوماتها وتراخيصها بما يضمن أحقيتها النظامية في التخزين والتصدير وإعادة التصدير، خاصة أن الخدمات اللوجستية تعتمد في المقام الأول على الإدارة والكفاءة والسرعة في اتخاذ القرار لتأمين سهولة تدفق منتجات المصانع والطاقة والمعادن، حيث تكمن أهمية هذه الخدمات في توفير المنتج النهائي أو المواد الخام في الوقت المناسب بالسعر المناسب.
خامسا: التركيز على توطين وظائف الخدمات اللوجستية بالمختصين لأهمية هذا النشاط في توليد وتوفير الوظائف، حيث يوظف ما نسبته 22 في المائة من القوى العاملة في الدول المتقدمة، وتصل هذه النسبة إلى 30 في المائة في الدول النامية. وهذا يؤدي بدوره إلى زيادة المحتوى المحلي وتطوير التجارة المحلية والدولية وزيادة التنافسية، لتزداد مساهمة نشاط الخدمات الاستراتيجية في الناتج المحلي الإجمالي.
وعليه، إذا أردنا فعلا إنصاف موقع المملكة الفريد على خريطة القرية الكونية، ونحقق رؤيتنا الطموحة الهادفة إلى رفع مرتبتنا في مؤشر الخدمات اللوجستية إلى المركز الـ25 بين دول العالم، فلا بد من اتباع الخطوات المذكورة أعلاه للوصول بالمملكة إلى أفضل مراكز الخدمات اللوجستية في العالم.