Author

يقول صندوق النقد إننا سنفلس! «2»

|

..والأمثلة تتجاوز سنغافورة وكوريا الجنوبية، فقد بات مثبتا أن الثروة الحقيقية لا تكمن في الموارد البشرية أو الرأسمالية أو التقنية أو الطبيعية فقط، فكلها كانت في سنغافورة قبل 1965 وبعد 1965! "السر" يكمن في جودة وكفاءة إدارة السياسة الاقتصادية. وهذا لا يعني أن سنغافورة، أو كوريا الجنوبية، لم تعاني تحديات ومعوقات، كالأزمة الآسيوية في نهاية التسعينيات، لكن حتى تلك التحديات العاتية كانت بحاجة إلى استجابة إدارية سريعة وحاسمة، وذاك كان ديدن تعامل سنغافورة مع التحديات -حاسم. وقد يقال إن سنغافورة دولة صغيرة المساحة وقليلة السكان يمكن ضبطها والسيطرة عليها بما يؤدي لتنفيذ سياسات اقتصادية بكفاءة، لكن ذلك القول لا يصمد للجدل. لن أحدثكم عن اليابان الخالية من الموارد الطبيعية تقريبا، ولم اليابان؟! لنأخذ الصين مثلا، أكبر دول العالم سكانا "1.4 مليار نسمة"، تمتد مساحتها على رقعة تتجاوز 9.4 مليون كيلومتر مربع. ما الذي حدث في الصين لتتحول من الفقر إلى الغنى؟ الصين لم تغير شيئا، ولا حتى نظامها الشيوعي أو مركزية المكتب السياسي وسطوته! كل ما فعلته حقيقة لإطلاق ماردها الهائل أنها أصلحت سياساتها الاقتصادية قولا وفعلا، فأصبحت أكثر الاقتصادات الكبيرة انفتاحا، فانتقلت – بنكهة صينية -لاقتصاد السوق، ما جعل اقتصاد الصين يصعد صعودا خارقا، لتحقق الصين "معجزة" اقتصادية في أعوام قصيرة في عمر الأمم؛ إذ نما اقتصادها بمعدل سنوي "خرافي" متوسطه 9.5 في المائة منذ بداية الإصلاحات في عام 1978 حتى عام 2013، وتضاعف بذلك حجم اقتصادها "الناتج المحلي الإجمالي" عشرة أضعاف، وارتفع متوسط الأجور ستة أضعاف. لم يحدث ذلك بالاعتماد على استخراج الموارد الطبيعية، بل عبر سياسة واعية لأمرين، الشمول الاجتماعي عبر التنوع الاقتصادي، ففيما يتصل بالشمول الاجتماعي تمكنت الصين خلال هذه الفترة خفض نسبة الفقر من نحو 97.5 في المائة في عام 1978 إلى أقل من 3 في المائة، عبر برنامج تنويع اقتصادي متعدد القطاعات شمل التعليم والصناعة والتمويل والبنية التحتية والنقل والصحة على سبيل المثال لا الحصر، فتضاعف عدد المشتغلين من نحو 400 مليون إلى 800 مليون، وصاحب ذلك تحسنا ملحوظا في الأجور. والنجاح في إعادة التموضع الاقتصادي للدول ليس حكرا على دول في آسيا، فثمة أمثلة في كل قارة، لنأخذ على عجل فلندا، لن تجد وفرة من الموارد فيما عدا الخشب، وبعيدا عن ذلك تصنع فلندا لنفسها مجدا قائما على التميز في التعليم وصنع المهارات، وعملها لا يزال قيد الإنجاز.

إنشرها