لا تلوموا الكساد .. فالفساد أعظم

من ضمن أكبر عشر دول في العالم في احتياطيات النفط والغاز، يأتي أربع منها على قائمة أكثر الدول تراجعا في النمو الاقتصادي وأشدها فقرا وأكثرها تخلفا في سداد ديونها المتراكمة، ليس فقط بسبب الكساد الذي يلوح في أفق اقتصاداتها، بل لأن حكوماتها أصيبت بآفة الفساد فاستباحت مصالح العباد، وسخرت ثرواتهم لتزكية نوازع الشر وتصدير الثورات وتمويل فلول الإرهاب والتدخل في شؤون الجوار.
فنزويلا التي تتربع عالميا على عرش مخزون النفط بمقدار 297 مليار برميل، وتحتل المرتبة الثامنة في احتياطيات الغاز الطبيعي بمقدار 196 تريليون قدم مكعبة، لتفوق قيمة ثروتها الإجمالية 35 تريليون دولار، تعاني اليوم تدهور اقتصادها، ليس بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، بل لأن فنزويلا ترزح تحت وطأة الفساد الإداري والفساد المالي المستشريين في قيادتها وحكومتها، ما أدى إلى تراجع قيمة عملتها عشرات الأضعاف، لتحقق أعلى تضخم في العالم خلال العام الماضي بنسبة 135379 في المائة. ولقد أدى هذا الفساد إلى انكماش اقتصاد فنزويلا خلال العام الجاري بنسبة 7.1 في المائة، واستشرى الفقر في مجتمعاتها بنسبة 45 في المائة، وتفاقمت البطالة بين شبابها بنسبة 41 في المائة، لتحل فنزويلا في المرتبة الـ161 بين 171 على المؤشر العالمي لمدركات الفساد والمركز الـ186 بين 189 دولة حول العالم في تصنيف البنك الدولي لسهولة ممارسة الأعمال، والمركز الأخير في تسوية حالات الإعسار وسداد الديون، لتأتي الدول الفقيرة في الطاقة مثل إثيوبيا والصومال وأفغانستان متقدمة على فنزويلا في التصنيفات العالمية بأكثر من 14 مرتبة.
أما إيران التي تحتل المركز الرابع عالميا في مخزون النفط بمقدار 145 مليار برميل، والمرتبة الثانية في احتياطيات الغاز الطبيعي بمقدار 1187 تريليون قدم مكعبة، لتفوق قيمة ثروتها الإجمالية 37 تريليون دولار، فتعاني اليوم أيضا تراجع اقتصادها، ليس بسبب العقوبات الدولية المفروضة عليها، بل لفساد ملاليها وانشغال أقطاب حكومتها بنهب ثروات شعبها لدعم أحزابها المرتزقة وتمويل ميليشياتها الإرهابية. وبينما تراجعت إيران إلى المركز الـ130 بين 171 دولة على المؤشر العالمي لمدركات الفساد، والمرتبة الـ144 بين 177 دولة على مؤشر الفساد الإداري، لجأت إيران في الميزانية الحالية إلى فرض مزيد من الضرائب بنسبة 23 في المائة، وتخفيض دعم السلع الاستهلاكية بنسبة 26 في المائة، مع رفع أسعار البنزين بنسبة 300 في المائة. وطبقا لتقرير مركز الإحصاءات الإيراني الصادر بتاريخ 28 نوفمبر 2019، تضاعفت نسبة الفقراء في المجتمع الإيراني ست مرات خلال العقد الأخير، وتراجعت قيمة الريال الإيراني مقابل الدولار منذ الثورة الخمينية 352 ضعفا، ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية بنسبة 67 في المائة، لتزداد حدة الفقر في بلد يعد أغنى دول العالم بالنفط والمعادن والمياه والزراعة. وأدى هذا التراجع إلى تربع إيران  علىالمرتبة الثانية من أصل 90 دولة في مؤشر الإفلاس الاقتصادي، والمركز الـ180 من أصل 187 دولة في مؤشر التضخم، إضافة إلى احتلال إيران المركز الأول في تصدير الإرهاب والمرتبة الثالثة في إدمان وتصدير المخدرات.
وأيضا العراق الذي يحتل عالميا المرتبة الخامسة في مخزون النفط بمقدار 140 مليار برميل، والمركز السابع في احتياطيات الغاز الطبيعي بمقدار 126 تريليون قدم مكعبة، لتبلغ ثروته الإجمالية 16 تريليون دولار يعاني شعبه اليوم المجاعة التي طالت خمسة ملايين شخص بسبب ارتفاع نسبة الفقر إلى ‍41 في المائة، ليس بسبب قوات التحالف الدولي الموجودة على أراضيه، وإنما نتيجة التدخل الإيراني في شؤونه الذي أدى إلى سرقة ثروات العراق وتمادي فساد حكوماته المتتالية، ليحقق العراق المرتبة الـ170 بين 171 دولة على مؤشر مدركات الفساد العالمي.
ومنذ التدخل الإيراني السافر في العراق ووفقا لتقرير منظمة الشفافية العالمية، تكبد العراق خسائر فادحة تفوق تريليون دولار، كان نصيب الفساد منها 260 مليار دولار، والباقي نتيجة الحروب والإرهاب والابتزاز. هذه الخسائر الفادحة تجاوزت 60 في المائة من عوائد النفط، و80 في المائة من الإنتاج الزراعي، و42 في المائة من المنتجات الصناعية، ما أدى إلى إقفال 33 في المائة من أبواب الشركات العراقية، وارتفاع نسبة البطالة إلى 41 في المائة، ما حدا بمجلس النواب العراقي الاعتراف في الشهر الماضي بأن ميزانية عام 2020 ستواجه عجزا ماليا ضخما يقدر بنحو 40 مليار دولار. هذا في الوقت الذي أوقفت فيه الحكومة العراقية ستة آلاف مشروع تنموي بسبب ضعف التمويل وانخفاض أسعار النفط، ما سينعكس سلبا على التنمية الاقتصادية ويتسبب في تنامي المشكلات الاجتماعية، ليأتي العراق في ذيل قائمة مؤشر السلام العالمي، الذي يتضمن 170 دولة، وليتنافس مع سورية والصومال وأفغانستان في انتشار الفوضى والانفلات الأمني وتصارع الميليشيات، إضافة إلى ازدياد عدد المدمنين على المخدرات بنسبة 250 في المائة، وتضاعف عدد الجرائم الأخلاقية بمعدل 430 في المائة.
وكذلك نيجيريا التي حققت عالميا المرتبة العاشرة في مخزون النفط بمقدار 36 مليار برميل والمركز السابع في احتياطيات الغاز بمقدار 19 تريليون قدم مكعبة، إضافة إلى تحقيقها المرتبة الثامنة عالميا في إنتاج الخشب، تعاني اليوم تردي اقتصادها بسبب آفة الفساد المنتشرة بين حكوماتها وأخطاء سوء إدارتها التي فشلت في القضاء عليه. وتشير الإحصائيات الأخيرة لمؤشر الشفافية الدولية إلى أن نيجيريا تخسر سنويا 18 مليار دولار بسبب سرقات النفط، لتحل في المرتبة الـ136 بين 171 دولة على المؤشر العالمي لمدركات الفساد. كما أدى الفساد المستشري في نيجيريا إلى تخفيض سعر صرف العملة المحلية في العام الماضي بواقع 21 في المائة، وهبوط الاحتياطيات الأجنبية بنسبة 66 في المائة، ما أسهم في تفاقم حدة الفقر بنسبة 90 في المائة، وتراجع مرتبة نيجيريا على مؤشر التنمية البشرية للمرتبة الـ152 عالميا.
لا تلوموا الكساد الاقتصادي والعقوبات الدولية، فالفساد أعظم وطأة على البلاد وأشد فتكا بالشعوب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي