ألبوم الذكريات

الأسبوع الماضي كنت أتجول في أحد المعارض حين لفت نظري طفل رضيع لم يتجاوز العام، يبكي بشكل متواصل. حاولت والدته إسكاته بشتى الطرق لكنها فشلت. شعرت بحرجها واتجهت نحوها لأعرض مساعدتي عليها، وقبل أن أصل إليها مرت امرأة بجوارها وقالت لها بكل ثقة "شغلي له الجوال ويسكت "، وخلال ثوان قليلة سكت الطفل تماما وأصبح يتابع باهتمام أغنية الأطفال المشهورة "بيبي شارك ". هذا الموقف دفعني إلى التساؤل هل كانت أجيالنا محظوظة لأنها عاشت الطفولة قبل ظهور الأجهزة الذكية؟
سيل الذكريات المختلفة التي خزنتها ذاكرة أجيالنا السابقة عن أيام الطفولة تعد نعمة عظيمة إذا ما قسناها بضحالة الذكريات، التي ستقبع بروح باردة في ذاكرة هذا الجيل حين يكبر، لقد عشنا طفولتنا بالطول والعرض ومارسنا شقاوة الأطفال، حتى ارتسمت تلك العلامات الفارقة فوق جباهنا ورؤوسنا، فنادرا ما تجد شخصا من تلك الأجيال إلا وفي رأسه أثر لجرح غائر نتيجة "فلقة" بسبب شجار ما، أو جرح في جبهته بسبب "هوشة" حدثت بين أبناء الحارة، كنا نستمتع بتلك الألعاب القائمة على المشاركة مع الآخرين التي تدفعنا إلى التنافس والحماس وتشعرنا ببهجة الفوز، كلعبة "الغميضة"، "الحجلة"، "المصاقيل"، "فتحي يا وردة "، "السلم والثعبان"، "زبرقة السياكل" وغيرها كثير. كم من مرة بكينا حين انهزمنا "فطبطب" علينا أصدقاء الطفولة. وكم من مرة نجحنا فاحتضن بعضنا بعضا. وكم من مرة لهونا تحت المطر وتسابقنا نحو بقالة الحي ليشتري كل منا قبل الآخرين بسكوته وعصيره المفضل. وكم مرة "انجلدنا" من قبل أهالينا على شقاوتنا. كل تلك الذكريات غالبا ما كنا نقوم بتصويرها بكاميرا تصوير ونحتفظ بصورنا فيها في ألبوم الذكريات. حاليا حين نقلب ذلك الألبوم فكل صورة فيه تحمل حكاية وذكرى وحنين لطفولة عشناها بالطول والعرض رغم ضعف الإمكانات وبساطة العيش لكن السر في رسوخها في الذاكرة، هي أننا شاركناها الأصدقاء واقتسمنا لحظاتها معهم.
اليوم أطفال "السوشيال ميديا" طفولتهم أصبحت رهينة شاشات الأجهزة الذكية والألعاب الإلكترونية، هذا الصمت الذي يعيشونه سيجعل ذاكرتهم خالية من الذكريات، وسيصنع منهم أشخاصا منعزلين لا يرغبون في إنشاء علاقات اجتماعية، كل ضجيج تلك الأجهزة الذي يحيط بهم سيسلبهم أجمل أوقات طفولتهم.. وحين يكبرون سيدركون أنهم لا يمتلكون ألبوم ذكريات. ولن يلوموا سواكم أيها الأهل فاصنعوا لهم الذكريات حتى لا تظل ألبوماتهم خالية!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي