جذب التمويل الجماعي «1 من 2»
الاعتماد على القصص المثيرة والمؤثرة في جذب المستثمرين قد يفضي بأن ينتهي المشروع بالمساومة على وجود أثر حقيقي. ويزداد حماس الأشخاص للاستثمار في مشاريع ذات تأثير مجتمعي، وأسهمت منصات التمويل الجماعي في جعل الأمر أسهل من أي وقت مضى. لكن هناك مشكلة. فعلى عكس المستثمرين المحترفين أو المؤسسات الرئيسة التي تعتمد على بيانات مكثفة وتحليلات التكلفة والعائد، يبني صغار المستثمرين قراراتهم بناء على المشاعر التي يشعرون بها حيال الفرصة الاستثمارية. يلجأ رواد الأعمال الباحثون عند طلبهم للتمويل إلى التركيز على الأمور التي تمنحهم شعورا جيدا عوضا عن وجود استراتيجية مؤثرة. لسوء الحظ لا تتماشى دائما القصص التي ينجذب إليها صغار المستثمرين مع النشاطات التي تترك تأثيرا حقيقيا في أغلب الأوقات.
إن إشراك صغار المستثمرين يعد نموذجا جديدا، ولنأخذ مثالا على ذلك مؤسسة Uncharted Play التي ابتكرت كرة قدم أطلقت عليها اسم Soccket كونها مزودة بآلية لتحويل الطاقة الحركية إلى طاقة كهربائية. كانت الفكرة منها أن دحرجة الكرة لمدة 30 دقيقة كفيلة بتوليد ما يكفي من الطاقة لتشغيل مصباح لمدة ثلاث ساعات، ما يبعث الأمل في أن يتمكن الأطفال الفقراء في جميع أنحاء العالم ممن يعانون مشكلة عدم توافر الطاقة الكافية من إمكانية الدراسة ليلا.
تمكنت الشركة عام 2013 من الحصول على أكثر من 92 ألف دولار من خلال موقع التمويل المتعدد المصادر الشهير Kickstarter حيث قدم أكثر من ألف شخص التمويل. كانت شركة Uncharted Play تأمل في التوسع لإنتاج أكثر من 50 ألف كرة في العام لكنها عجزت عن تحقيق ذلك. كانت هناك شكاوى حول رداءة المنتج وعدم خبرة خدمة العملاء، غالبا ما توقفت عن العمل في غضون بضعة أيام.
الأهم من ذلك أن النقد أثار مخاوف حول افتقارها إلى إيجاد قيمة فريدة: كانت تكلفة الكرة أضعاف تكلفة المصباح وكرة القدم مجتمعتين. وكانت هناك ضجة حيال الحلول التي طرحتها ولم تكن فعالة من حيث التنمية الحقيقية.
هنا تنشأ الضغوط، ففي حين يهتم المستثمرون من حيث المبدأ بإيجاد تغيير من أجل الأفضل، إلا أنهم يكونون ضالعين في كثير من الأحيان في مشاريع تشكل قصة رائعة عوضا عن النظر إلى الفروق الدقيقة في نموذج عمل المشروع أو الأثر الحقيقي الذي يوجده. نادرا ما يمتلك الأشخاص المشاركون في التمويل متعدد المصادر الصبر أو المهارات اللازمة للخوض في التفاصيل للتحليلات المطلوبة، أو قاعدة الأدلة، أو المستحقات، أو استراتيجية للقياس، أو تقييم للأداء فجميعها ضرورية للمستثمرين المحترفين.
وعن قوة القصة يوضح مقالي الأخير الذي نشر في مجلة "ستانفورد للابتكار الاجتماعي"، مشكلة مماثلة حدثت مع "كيفا"، وهي مؤسسة أسست في 2005 كمنصة للتمويل متعدد المصادر تخول للأمريكيين تمويل قروض متناهية الصغر لرواد أعمال يعيشون في المناطق الفقيرة النامية. فمن خلال مساهمة لا تقل عن 25 دولارا يستطيع المقترض من "كيفا" مساعدة شخص عن بعد بشكل مباشر، مثل مربي نحل في غانا، أو مزارع سبانخ في كمبوديا، أو نجار في غزة. ما يجعل القصة أكثر جاذبية أن المال الذي تم منحه كقرض وليس تبرعا، يتم استرجاعه بعد أن يقوم بتغيير حياة شخص ما في النصف الآخر من العالم.
تم الاحتفال بنجاح المنظمة في أهم المدونات والبرامج التلفزيونية، بما في ذلك برنامج أوبرا وينفري الذي وصف "كيفا" بأنها "تجربة استثنائية". احتفلت "كيفا" مع الوقت بالذكرى السنوية العاشرة في 2015، وحققت قروضا بقيمة 750 مليون دولار، وربطت بين 1.3 مليون مقرض و1.75 مليون مقترض من خلال التمويل الجماعي... يتبع.