Author

متى يتحول النفط العربي إلى ثروة مستدامة؟

|
أستاذ جامعي ـ السويد


أطلقنا في جامعتنا السويدية مشروع دراسات عليا أسميناه "الإعلام المستدام"، وأظن أن المقرر هذا يعد فريدا من نوعه، حيث لا يحضرني وجود دراسات عليا للماجستير والدكتوراه في هذا المضمار في أي جامعة أخرى.
ولأنني منهمك في إعداد هذا المقرر، كان علي تمضية العطلة الصيفية في القراءة المتأنية لإعداد خطة دراسية تفصيلية لأهداف ومخرجات المقرر، والكفاءة والجدارة والخبرة التي سينالها الطلبة بعد التخرج، أي قبل ولوجهم معترك العمل والتشغيل.
وشملت قراءاتي بعض التقارير المهمة التي أصدرتها الأمم المتحدة حول التنمية المستدامة مع عشرات الأبحاث العلمية، وثلاثة كتب تتناول الموضوع وتحاول ربطه بوسائل الإعلام والتواصل.
سأترك موضوع الإعلام المستدام جانبا وأركز على الأفكار والنظريات والفرضيات التي يأتي بها العلماء والمختصون حول استخدام الثروة والموارد الطبيعية والبشرية بصورة مستدامة.
والاستدامة كمفهوم ومصطلح أصولها أعجمية؛ بمعنى أن الدراسات في هذا المضمار أساسها الغرب وأن المصطلح ترجمة للمفردة الإنجليزية sustainability.
والترجمة العربية ترجمة موفقة، لأنها تعبر بأمانة عن معنى وتعريف sustainability في الإنجليزية. في معجم لسان العرب، النعمة المستدامة لها أركان ثلاثة: الاستمرار والثبات والإدامة.
وأكثر التعاريف شيوعا للاستدامة كمصطلح علمي تركز على الأركان الثلاثة هذه، وكي تكون التنمية والثروة أو أي نشاط اقتصادي أو إنساني آخر مستداما، عليه أولا أن يلبي الحاجة الآنية دون أن يؤثر في استمرار وثبات الثروة للأجيال القادمة أو يؤثر سلبا في البيئة والطبيعة.
هل في إمكاننا تطبيق مفهوم الاستدامة كما شرحناه آنفا على الثروة النفطية؟ أو نعيد صياغة السؤال كي يكون ذا صلة بالواقع العربي والخليجي منه على وجه الخصوص، ونقول: كيف نحول الثروة النفطية إلى ثروة مستدامة؟
في الحقيقة، الاستدامة لم تعد مفهوما نظريا فحسب، إنها ممارسة، أركانها الثلاثة صارت نبراسا للدول الاسكندنافية التي تعمل ما في وسعها كي تقع نشاطاتها الاقتصادية والاجتماعية والتربوية ضمن إطار المفهوم وتطبيقاته على أرض الواقع.
قد نخصص رسائل حول المضامير التي نجحت فيها هذه الدول في ممارسات التنمية المستدامة، لكن دعنا هنا نطبق المفهوم على النفط أو الغاز والثروة الريعية التي تنتج عنهما، ونحاول أن نستوعب إن كان في مقدورنا استدامتها.
أي ثروة وطنية يجب النظر إليها من منظور الاستدامة، وهذا يعني أنها ليست ملكا للجيل الحالي، وهذا معناه أننا يجب أن نستخرج من النفط ما يكفي الحاجة الآنية لهذا الجيل وتنميته.
وكثيرا ما يحدث أننا قد ننتج من النفط أو الغاز ما يفيض عن حاجة هذا الجيل، هنا يجب أن نفكر في الأجيال القادمة، أي المستقبل، عندما ننتج أكثر من حاجة هذا الجيل ونحصل على ثروة تزيد على حاجة هذا الجيل، علينا عندئذ استثمار الفائض في الإنتاج والثروة لاستدامتها للجيلين الحالي والمستقبلي.
النفط أو الغاز من الموارد والثروات الطبيعية التي من غير الممكن تعويضها، البراميل أو الأقدام المكعبة من الغاز حال بيعها أو استهلاكها تنقص من الثروة الطبيعية المتاحة لنا.
الاستدامة من ناحية الثروة والتنمية تعني أنه علينا استثمار الفائض من المال داخل البلد لاستدامة الجيل الحالي والأجيال القادمة من خلال المحافظة على البيئة ومن ثم بناء الأوطان من خلال الاستثمار في تنمية مستدامة شاملة تغطي مضامير الحياة كافة، من اقتصاد وعمران وصناعة وزراعة وتربية ومواصلات، وكل ما يتعلق بالبنى التحتية.
والمفهوم يتطلب أن ينطلق الاستثمار من حكمة وروية ودراسة معمقة للحاجات الآنية والمستقبلية، يجب أن توفر لنا الثروة المستدامة ما كانت ستوفره براميل النفط أو الأقدام المكعبة للغاز لو كان في إمكان الطبيعة تعويضها لنا بعد بيعها أو حرقها.

إنشرها