Author

النظام الإيراني في المصيدة

|
كاتب اقتصادي [email protected]


"على إيران أن تظهر نضجا سياسيا في ملفها النووي"
جان - إيف لودريان، وزير خارجية فرنسا

أسرعت أوروبا التي لم تيأس من موقفها الحاضن للنظام الإرهابي في إيران، أسرعت للتنديد بتهديدات هذه الأخيرة، بأنها ستستأنف برنامجها النووي في مجال التخصيب، بعد 60 يوما. فالاتحاد الأوروبي ظل حتى اليوم مواليا لطهران، بحجة أن الاتفاق الذي انسحبت منه الولايات المتحدة قبل عامين تقريبا، هو الأفضل. وهي حجة طالما سخرت منها واشنطن، منطلقة من طبيعة تكوين النظام الإيراني الحاكم، واستنادا إلى استراتيجية الخراب التي يمارسها ليس فقط في المنطقة، بل ضمن بلاده نفسها. أوروبا صُدمت من التهديد الإيراني بالطبع. فهي تعتقد أن قنوات الاتصال التي لم تنقطع معه هذا النظام، منحته امتيازات كثيرة، لا يمكن أن يحصل عليها لولا الموقف الأوروبي، خصوصا في ظل العقوبات التي تفرضها الإدارة الأمريكية عليه تباعا.
نظام علي خامنئي يائس إلى لا حدود، ومرتبك بلا نهاية، وخائف بصورة متواصلة. وكل المواقف التي يطلقها بين الحين والآخر تنبع من حالته البائسة، خصوصا بعدما نجحت واشنطن في "تصفير" الصادرات النفطية الإيرانية، ونشرت الرعب في أوصال كل مؤسسة تسول لها نفسها التعامل مع هذا النظام، ولا سيما المؤسسات الأوروبية التي لم تهتم إطلاقا بمواقف بلادها المهادنة مع إيران، والتزمت بالعقوبات الأمريكية بحذافيرها، ما أفقد الآلية المالية المشتركة الأوروبية-الإيرانية قيمتها. وهذه الأخيرة أطلقت في الواقع "بصورة بائسة" للالتفاف على العقوبات الأمريكية. وفشل الآلية المشار إليها هي التي دفعت رؤوس النظام الإيراني إلى إطلاق التصريحات "العنترية" الفارغة. والارتباك واضح في هذه التصريحات. فعلي خامنئي سيقوم باستئناف التخصيب النووي لكنه لن ينسحب من الاتفاق! إنه الرعب بعينه.
لا أحد يرغب في مواجهة بين الولايات المتحدة وإيران. حتى واشنطن قالت "إنها منفتحة للحوار مع طهران"، لكن بالشروط الواضحة، التي تستند إلى إعادة التفاوض حول النووي الإيراني، حيث لا يمكن لهذا البلد أن يصل إلى أي قدرات نووية في المستقبل. مثل هذه القدرات في أيدي نظام إرهابي طائفي مريض، تشكل تهديدا ليس للمنطقة فحسب بل للعالم أجمع. والأوروبيون يعرفون هذه الحقيقة، إلا أنهم ما زالوا يمارسون سياسة بلهاء تعتمد على إعادة تأهيل النظام في إيران. وهذا الأخير أخذ ما يكفي من الفرص على مدى عقود ليثبت قابليته في إعادة التأهيل، وفشل فيها جميعا، بل طور آلياته الإرهابية لتحقق ما أمكن من الخراب هنا وهناك، وللحفاظ على أكبر مستوى من التوتر في المنطقة.
النظام الإيراني مخنوق ماليا، ناهيك عن خنقه سياسيا. وهو الآن مثل فأر في مصيدة، يضرب في كل الاتجاهات الممكنة، أملا في إحداث خرق ما. وموقفه الأخير، دفع سياسيين أوروبيين إلى التهديد بتغيير سياستهم تجاهه، والحق إنه لا يملك غيرها على الساحة الدولية. مع ضرورة الإشارة هنا إلى أن الأدوات الأوروبية ليست فاعلة على الساحة الأمريكية بالشأن الإيراني، وهي كذلك حتى في مسائل عالمية أخرى كالتجارة، والبيئة وغير ذلك من قضايا محورية حقا. لكن في النهاية تبقى أوروبا ضمن تحالف دولي تاريخي تسيطر عليه الولايات المتحدة، ومصالحها تبقى ضمن هذا التحالف، بصرف النظر عن الآراء السلبية للمسؤولين الأوروبيين حيال الإدارة الأمريكية الحالية. دون أن ننسى أن تيارات سياسية في الاتحاد الأوروبي ترفع صوتها منذ أشهر بضرورة تغيير الاستراتيجية البائسة للاتحاد بشأن النظام الإيراني.
التعزيزات العسكرية الأمريكية في المنطقة واضحة. ويبدو حتى الآن أن سياسة "حافة الهاوية" التي تتبعها واشنطن لا تنفع إلا مع نظام إيراني اعتمد الخراب والإرهاب. وليس هناك أي مؤشرات على إمكانية تراجع الولايات المتحدة عن موقفها. لنترك الأوروبيين في تخبطهم الآن، وتهديداتهم للنظام الإيراني. وهذا الأخير لن يحصل على أي امتيازات من أي جهة دولية ذات مصداقية، والآلية الأوروبية-الإيرانية الالتفافية حول العقوبات الأمريكية انتهت قبل أن تبدأ، ولذلك لا معنى لتصريحات الإيرانيين بضرورة تفعيل الآلية بشكل واقعي وعملي، كما أن الأوروبيين لن يسمحوا في النهاية بأن تتقدم طهران خطوة واحدة على طريق التخصيب النووي. فهم يقاتلون من أجل الإبقاء على اتفاق نووي ميت، ويرفضون دفنه.
اعتاد العالم في العقود الماضية على تهديدات إيران في كل الاتجاهات كما اعتاد على أن هذه التهديدات لا تخرج إلا على شكل فقاعات، بلا قيمة ولا معنى، وسرعان ما يعود النظام الإيراني بعدها إلى مكانه الحقيقي وقيمته الواقعية. أوروبا لن تدخل في مواجهة مع الحليف الأكبر من أجل هذا النظام. أقصى ما لديها تبقى تلك الطروحات البائسة بأن الاتفاق النووي هو الأفضل. لكن مع موقف خامنئي الجديد سيتعين على الاتحاد الأوروبي أن يعيد النظر بهذه الطروحات التي لم تقدم شيئا لا للاتفاق ولا للأطراف التي عاندت وبقيت فيه. ولم يظهر موقف إيران هذا، إلا من فرط بؤس ويأس نظام الخراب الذي يحكمها.

إنشرها