التحدي والإدارة المحورية في عصر الذكاء الاصطناعي

لا يوجد شيء قد يخشاه المديرون والقادة من الذكاء الاصطناعى – إلا بعض الأمور التي ستختفي، ويشير التاريخ إلى أن التغيرات التكنولوجية الرئيسة قد تأخذ نصف قرن لتنتقل من مجرد رسومات في المختبر إلى المجتمع. وضع المقترح الأول الذي قدمه آلان تورنج للآلة التي سميت تيمنا به "تورنج" أسسس الكمبيوتر في 1936؛ تم بناء النموذج الأولي في 1945، وأطلق على الكمبيوتر "آلة العام" بحلول 1982، أي بعد نصف قرن تقريبا. من جهة أخرى، وضعت أسس الإنترنت في الستينيات، لكن لم يتمكن المستهلكون من استخدامها والاستفادة منها حتى منتصف إلى أواخر التسعينيات. بالنسبة لمعظم الناس، كان الذكاء الاصطناعي عبارة عن خيال علمي حتى السنوات الأخيرة. في النهاية، إن ثورة الذكاء الاصطناعي، ستصبح واقعا بعد عقدين من الزمن. مر أكثر من 70 عاما منذ ورشة العمل الشهيرة في دارتموث، مع نيويل، وسيمون، ومكارثي، ومينسكي – توفي آخرهم منذ ثلاث سنوات في 2016- بحيث تم الكشف عن أول برنامج ذكاء اصطناعي للمرة الأولى. لكن بحسب نظرية التعلم الإحصائي التي تعد أساس الذكاء الاصطناعي الحديث وآلة التعلم، وصلت قبل الموعد النهائي المحدد بـ 50 عاما. تسهم الإحصاءات والرياضيات وعلم الحاسوب- التي تضم أسماء مثل فلاديمير فابنيك، وتومي بوجيو، وستيف سميل- في ازدهار الإنجازات، ما يؤدي مباشرة إلى ثورة الذكاء الاصطناعي. قد يكون تأثير الذكاء الاصطناعي على قطاع الأعمال والحكومات والمجتمع أشبه بتأثير الفيزياء بنهاية القرن الماضي. فبعد الاختراعات المرتبطة بالفيزياء في ذلك الوقت، وبعدها علم الأحياء والمجالات الأخرى، أصبح العالم مختلفا عما كان عليه لآلاف السنين. تسعى الشركات والدول في الوقت الحالي إلى التركيز على التحول للذكاء الاصطناعي قبل منافسيها. وبسبب الوتيرة السريعة للتغير التكنولوجي وسيطرة الفائز على القطاع، سيحظى المنتصرون بسباق الذكاء الاصطناعي بحصة الأسد حتى إن لم يكن انتصارهم شيئا يذكر.
من يمتلك الأفضلية في سباق الذكاء الاصطناعي؟ يعد تبني تكنولوجيا بعينها موضوعا قديما جدا. أخذ عديد من الفلاسفة وعلماء الاجتماع، والاقتصاديين والمهندسين تلك المسألة بعين الاعتبار، على الأقل منذ اختراع الكمبيوتر، إن لم يكن قبل ذلك. كما في حالة التقنيات الأخرى، مثل مكننة التعدين أو التقنيات التناظرية.
عند دراسة هذا النوع من العمل، يبقى في الذاكرة الميزات التي تركز على الأشخاص، وتحدد إذا ما كانت التكنولوجيا الجديدة قابلة للنجاح ضمن السياق الموضوع. على المستوى التنظيمي من الضروري أن يتبنى المديرون مهارات تكنولوجية، والحوكمة والبنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات، وثقافة الابتكار، والمعايير التي تلتزم بأفضل الممارسات، والأهم من ذلك، القدرة على مواءمة إمكانات التقنيات الجديدة مع متطلبات العمل الأساسية. يجب تطبيق الأمر ذاته على صعيد الدولة، ولكن يجب أن نضيف إلى القائمة: اللوائح التي تتماشى مع التطورات التكنولوجية "مثل الناتج القومي الإجمالي"، ونظام التعليم القوي الذي لا يركز فقط على العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، بل على جميع المجالات.
عند هذه النقطة، قد يتساءل المشككون فيما إذا كان الإنسان يستطيع الفوز بسباق الذكاء الاصطناعي في المقام الأول. يتناول عديد من وسائل الإعلام فكرة الذكاء الاصطناعي ويلخصها بفكرة الروبوتات التي ستحل مكان الإنسان. فهل الذكاء الاصطناعي صندوق باندورا "مأخوذ من الميثولوجيا الإغريقية" الذي بمجرد فتحه سيقوم بإهلاكنا؟. للإجابة عن ذلك أود الإشارة إلى القطاع المالي. تقوم الكمبيوترات اليوم بإجراء المعاملات التجارية في السوق المالية، بسرعة لم يكن من الممكن تخيلها قبل عقدين من الزمن. ساعد ذلك على تخفيض تكاليف التداول والانتقال بالعرض والطلب لمستويات لم تكن موجودة في السابق، إضافة إلى كونه أصبح شريان النظام الاقتصادي الحديث، والأسواق، ومؤثرا لحد كبير. في الواقع تم استبدال بعض الوظائف، لكن لا يزال الإنسان هو من يتخذ القرارات المهمة ويوصلها للعملاء. يبقى الفرق الرئيس أن الأشخاص يقومون بذلك في ظل ظروف مختلفة: كان ذلك مجرد مثال عن أماكن العمل الحديثة، حيث يعمل الإنسان جنبا إلى جنب مع الآلة بشكل وثيق.
لا يتعلق الأمر بالذكاء الاصطناعي مقابل الأشخاص، بل الذكاء الاصطناعي والأشخاص. نعمل في "إنسياد" حاليا على الإجابة عن هذا السؤال بعدة سياقات، بدءا من التمويل واتخاذ القرارات الاستثمارية، إلى فهم المستهلك والمشتريات، والتشخيص الطبي والرعاية الصحية.
هل من الممكن تطوير عمل الإنسان من خلال الاستخدام الصحيح للذكاء الاصطناعي؟ بالطبع بالإمكان ذلك، وبنظرة إلى "الخيال العلمي" بإمكان الإنسان تطوير نفسه من خلال استخدام التطورات التكنولوجية والعلمية المدفوعة بالذكاء الاصطناعي - من مجالات مثل علم الأحياء الحاسوبي أو العلوم العصبية الحاسوبية- علينا الانتظار. بإمكانك النظر إلى الأمر على أنه شيء مروع أو بصيص أمل، لكنه بالتأكيد لن يكون مملا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي