القادة وعوامل الربح والخسارة
تخشى سلسلة متاجر كبرى في إحدى دول أوروبا الشرقية من انخفاض مبيعاتها 8 في المائة، مع اقتراب دخول شركة ليدل العملاقة السوق؛ لذا قررت الشركة بالتعاون مع باحثين القيام بدراسة عشوائية لخفض معدل دوران الموظفين، الذي يكلفها مبالغ هائلة، في سبيل تحسين الجودة، وزيادة فعالية عملياتها. تسلم عدد من مديري المتاجر رسالة من الإدارة تشجعهم على الحد من معدل دوران الموظفين، ويبدو أن الأمر أتى بنتيجة إيجابية، فخلال الأرباع الثلاثة التالية، تراجع معدل دوران الموظفين من 20 إلى 30 في المائة. ولكن رغم ذلك لم ينعكس الأمر إيجابا على مقياس أداء الموظفين "مبيعات وقيمة الطعام المهدور". وجد الباحثون تفسيرا لذلك خلال مقابلات أجروها لاحقا. فنظرا لتركيز مديري المتجر على القضايا المتعلقة بالموارد البشرية، لم يعطوا وقتا كافيا للمستهلكين "لزيادة المبيعات"، وللتعامل مع حركة تدفق البضائع "للحد من هدر الأطعمة".
بالطبع، لا تزال الشركة مستفيدة من خفض معدل التوظيف، وتكاليف تدريب الموظفين الجدد، "التي تقدر بـ400 يورو للمدير الواحد على أقل تقدير". ولكن على مستوى المتجر الواحد، أظهرت البيانات حقيقة جديرة بالملاحظة: على الأغلب، من الصعب وربما من المستحيل، أن ينجح مدير واحد في عدة مجالات بشكل متساوٍ، وتؤكد ذلك مقولتنا على مدار عدة سنوات: تستطيع القيادة الموزعة التي تستفيد من الخبرة والرؤية، النجاح في مختلف أقسام المؤسسة. فالمؤسسات التي تتبع نهج القيادة الموزعة أكثر قدرة على التكيف والإبداع، فهي تتغلغل مدفوعة بإحساس كبير بالأهداف.
يجب أن يدرك المديرون نقاط ضعفهم وقوتهم قبل توزيع القيادة، فبذلك يستطيعون البحث عن الأشخاص الذين يتمتعون بمهارات تعوض تلك التي تنقصهم؛ لذا قمنا بتطوير آلية تعتمد على التغذية الراجعة، أطلقنا عليها "x360"، ونشرناها في أهم المجلات الأكاديمية. قمنا سابقا بالحديث عن البعدين الأول والثاني لآلية x360: سمات وقدرات القادة، على التوالي. سنناقش في هذا المقال البعد الثالث، وهو الفعالية؛ أي كيف يستطيع القادة التأثير بشكل أكبر.
يقول مارك فريسورا متحدثا عن منصبه كرئيس إحدى مراكز الترفيه: "إذا ما غفلت عينك عن النقود أو الزبائن أو الموظفين، فأنت في عداد الأموات"؛ بصفته شخصا تم تعيينه بعد يومين فقط من تقديم مالكي المركز طلبا للحماية من الإفلاس في 2015. أمضى الأشهر الثلاثة الأولى في زيارة 27 فرعا، طالبا من الموظفين اقتراحات حول كيفية تنشيط الأعمال، وأكد أهمية عدم التخلص من الأشخاص الذين يديرون العمليات؛ كونهم "الوزة الذهبية"؛ أي الذين يمتلكون معلومات مهمة حول كيفية إدارة العمل. قام في البداية بكل ما يتطلبه الأمر، حتى توزيع بطاقات على الموظفين لجمع تعليقاتهم. يمثل فريسورا مثالا جيدا للقيادي الذي يضع نفسه مكان الآخرين.
تعد فعالية الأشخاص إحدى الطريقتين الرئيستين اللتين تمكنان القادة من ترك تأثير. ينجح القادة الذين يركزون على الأشخاص من تحفيز أعضاء الفريق، فهم يعرفون جيدا كيفية إثارتهم لمواجهة التحديات، كما أنهم ماهرون وبشكل خاص في بناء الثقة مع أعضاء الفريق والحفاظ على رضاهم. من الواضح أن مثل هذا التوجه يجب أن يقترن بالتركيز على المال والزبائن كما قال فريسورا نفسه. تطلب الأمر عامين، ولكن نجح "سيزرس" في النهاية في تخطي مسألة الإفلاس.
لنتناول الآن تشاك روبينز، الرئيس التنفيذي لـ"سيسكو"، الذي يوصف بأنه "مثال على التركيز"، والمعروف بسمعة جيدة وإمكانية إنجاز الأمور على أكمل وجه. عند سؤاله عن سبب توليه أعلى منصب في مجموعة شركات التكنولوجيا، عزا روبينز ذلك إلى قدرته على ربط الاستراتيجية بالقدرة الحقيقية على تنفيذ الأمور بفاعلية، وخلفيته العلمية، وفهمه العميق لآلية شبكة الإنترنت. كشخص معروف بعدم ارتكابه الأخطاء، كان مدركا أهمية وجود فريق إدارة يتمتع بحس القناعة. وفي هذا الصدد، كانت إحدى أولوياته كرئيس تنفيذي جديد هي التخلص من السلوكيات السيئة، ويقصد بذلك الأشخاص الذين يتفقون على إنجاز أمور خلال الاجتماع من دون أن يفوا بالتزاماتهم. لم يتمكن خلال الاجتماعات اللاحقة سوى حفنة من الأشخاص من البقاء في مناصبهم.
الفعالية هي الطريقة الثانية التي تمكن القادة من ترك تأثير؛ كونها تظهرهم على أنهم أشخاص يميلون إلى التركيز على تلبية أهداف أصحاب المصلحة الخارجية وإرضائهم، وتجعلهم حريصين على تقديم منتجات وخدمات ذات جودة، مع الشعور بالالتزام تجاه تحقيق عوائد مادية جيدة. نشير إلى هذا التوجه بقبعة الربح والخسارة التي يسهل على هذا النوع من القادة ارتداؤها على غرار روبينز، الذي يقول إنه في حال لم يكن في مجال الأعمال لاختار مهنة تنطوي على مقاييس واضحة.
لنكن واضحين، يحتاج القادة الفاعلون إلى كلا الأمرين، حتى لو كان أحدهما أهم من الآخر. فمن المرجح التخفيف من أحدهما في وقت الشدائد؛ فالقيادة الناجحة تتطلب كثيرا من الوعي الذاتي.
تعد آلية x360 أداة تطوير مؤثرة، تساعدك على استكشاف الجوانب غير المرئية لك كقيادي، وتتيح لك النتائج المترتبة عليها معرفة الطريقة التي ينظر بها الآخرون إليك، وقد تكون بمنزلة نداء تحذيري للبعض. فمع اكتشاف هويتك كقيادي، ستصبح لديك رؤية واضحة حيال الإسهامات الاستثنائية لك.
وأخيرا وليس آخرا، ستخولك من البحث عن الأشخاص الذين يتمتعون بمهارات وسمات وأسلوب فعال يستكمل ما تحتاج إليه.
في حين يعلم عديد من التنفيذيين في أعماقهم، أنهم لا يمتلكون إجابات عن جميع الأسئلة، هناك افتراض سائد بأنهم يجب أن يكونوا أبطالا، وأن يكونوا على دراية ومعرفة بجميع الأمور، ولكن في الحقيقة جميعنا قادة غير كاملين. رأينا في البرامج التي استخدمت x360 كيف يشعر عديد من المشاركين بالراحة أثناء حديثهم عن أسطورة القيادي المثالي.
في نهاية المطاف، نهدف من خلال آلية x360 إلى أنسنة المؤسسات، ونرى فيها أماكن يشعر فيها القادة بالراحة؛ لإدراكهم القيود التي تحيط بهم. تؤدي القيادة المركزة دورا جيدا، ولكن أكثر قادة المستقبل تأثيرا هم الأكثر قدرة على الاعتماد على المواهب التكميلية لزملائهم.