Author

الطلب النفطي يسجل أرقاما قياسية

|


تشير بيانات مؤسسات الطاقة المتخصصة إلى أن الطلب والعرض العالميين على النفط يواصلان تسجيل مستويات قياسية لم يبلغاها من قبل، حيث تجاوزت مستوياتهما حاجز الـ100 مليون برميل يوميا. وبلغ الطلب النفطي في الربع الرابع 2018 نحو 100.2 مليون برميل يوميا، بينما وصل العرض العالمي النفطي خلال الربع الثالث من العام نفسه إلى 100.9 مليون برميل يوميا، كما تفيد بيانات منظمة الطاقة العالمية.
تجاوز نمو الطلب العالمي السنوي على النفط التقديرات السابقة، حيث وصل إلى 1.6 مليون برميل يوميا للربع الرابع 2018، بينما بلغ النمو لعام 2018 بأكمله 1.3 مليون برميل يوميا. جاءت معظم زيادات الطلب من الدول الثلاث الأكثر استهلاكا للنفط في العالم. حلت الصين ـ ثاني أكبر مستهلك عالمي ـ في المركز الأول بنمو الطلب حيث نمت احتياجاتها النفطية بنصف مليون برميل يوميا، بعد ذلك تلتها الولايات المتحدة ـ أكبر مستهلك عالمي للنفط ـ في نمو الطلب حيث كان نموها قريبا من نظيره الصيني بالغا نحو 480 ألف برميل يوميا. واصلت الهند ـ ثالث أكبر مستهلك للنفط ـ زيادة أهميتها في حجم ونمو الطلب النفطي العالمي، حيث ارتفع طلبها بنحو 240 ألف برميل يوميا في 2018. وقف النمو الاقتصادي القوي للدول الثلاث خلف زيادات طلبها النفطي. أما بالنسبة لروسيا فقد أسهم النمو الاقتصادي المعتدل في زيادة طلبها النفطي بنحو 130 ألف برميل في عام 2018.
من جهة أخرى، شهد طلب معظم الدول تغيرات محدودة في 2018 بينما تراجعت مستويات الطلب في بعض الدول النفطية. وانخفض طلب المملكة النفطي السنوي في 2018 بنحو 110 آلاف برميل يوميا حسب تقديرات منظمة الطاقة العالمية، وقد يكون هذا عائدا إلى زيادة أسعار بعض المنتجات النفطية.
يصعب التنبؤ بمستويات الطلب العالمي لأسباب كثيرة ولكن من أبرزها نقص شفافية المعلومات في كثير من الدول، وصعوبة الإلمام بكل العوامل التي تؤثر في تطورات الطلب العالمي، نظرا للتنوع الكبير في الاقتصادات العالمية والعوامل المؤثرة فيه. يلعب غياب تجانس تعريفات سوائل الطاقة بين دول العالم دورا في صعوبة تقديرات الطلب العالمي، وخصوصا فيما يتعلق بسوائل الغاز والوقود الحيوي. يزيد صعوبة تقديرات الطلب العالمي على النفط تداخل القرارات السياسية مع الشؤون النفطية وصعوبة التنبؤ بتغيرات السياسات. وتقود عديد من السياسات والإجراءات المفاجئة إلى تغيرات واضحة في مستويات المعروض العالمي النفطي ما يؤثر في أسعار النفط ويجعلها عرضة للتقلبات المفاجئة التي تؤثر في مستويات الطلب.
تلعب وستلعب السياسات البيئية وخصوصا المتعلقة بانبعاثات الكربون دورا قويا في تحديد مستويات الطلب العالمي على النفط، وسيقود فرض قيود شديدة على انبعاثات الغازات الدفيئة إلى خفض معدلات نمو الطلب العالمي على النفط في الأمد الطويل، بينما سينتعش الطلب على النفط في حالة تبني إجراءات مخففة على الانبعاثات. عموما تؤثر السياسات البيئية والمناخ بقوة في توقعات الطلب ومستويات الاستثمار في القطاعات النفطية. ويقود خفض الاستثمارات في القطاع النفطي في حالة توقع تراجع الأسعار إلى تراجع الإمدادات النفطية المستقبلية في الأمد المتوسط ما تنتج عنه زيادات أسعار حادة في حالة حدوث نمو اقتصادي عالمي بعد عدة سنوات، بينما يحدث النقيض عند زيادة الاستثمارات.
يأتي معظم الطلب العالمي على النفط من قطاع المواصلات والقطاع الصناعي، أما قطاع توليد الكهرباء فقد تخلص من اعتماده على النفط، حيث لا يمثل النفط ومنتجاته إلا نسبة قليلة لا تزيد على 4 في المائة من احتياجاته. ستقود الطفرات والتطورات التقنية في قطاع المواصلات إلى خفض استهلاك الوقود وتراجع نمو أو مستويات الطلب النفطي العالمي، حيث يشكل استهلاك هذا القطاع معظم الطلب النفطي أو ما يقل قليلا عن 60 في المائة من إجمالي الطلب على هذه المادة الحيوية. في المقابل ينعش النمو الاقتصادي في البلدان النامية ـ خصوصا لدى الصين والهند حاليا وإفريقيا مستقبلا ـ الآمال بزيادة الطلب المستقبلي على النفط ومشتقاته في قطاع المواصلات. كما سينعش نمو هذه البلدان من آمال نمو الطلب على البلاستيك والمواد البتروكيماوية ما سيعزز طلب القطاع الصناعي على النفط وسوائل الغاز الطبيعي والغاز الطبيعي.
عند إعداد أي توقعات وخصوصا على مستوى العالم لا بد من حصول أخطاء حتى ولو قام بها أكثر الباحثين مهارة. قد تكون نسبة الخطأ محدودة ـ مثلا بحدود نصف من 1 في المائة ـ ولكن تأثيرها الكوني على مستوى الواقع كبير كما يحدث في الطلب العالمي النفطي. فزيادة الطلب الفعلي بهذه النسبة تمثل نحو نصف مليون برميل يوميا، وعند حدوثه دون تجاوب العرض سترتفع الأسعار بنسبة معتبرة. وكذلك الحال بالنسبة لتوقعات الإنتاج التي يمكن تغيرها في وقت سريع لأسباب مقصودة أو غير مقصودة ما يؤثر بقوة في الأسعار. وهذا يوضح التحديات الكبيرة التي يواجهها المختصون عند التنبؤ بمستويات الطلب والعرض النفطي أو نمو الأسعار المستقبلية للنفط.

إنشرها