الميزانية .. وشفافية الطرح

على مدى اليومين الماضيين، لم تكن حلقات النقاش التي استضافتها وزارة المالية أقل شأنا من إعلان الميزانية "التريليونية"، وما حملته من متغيرات إيجابية ومحفزة للأداء الاقتصادي لعام 2019، بعد أن شهد عام 2018 بداية جملة من الإصلاحات الاقتصادية التي أقرتها "رؤية 2030". كان مشهدا مختلفا وكرنفالا حقيقيا في الحوار والأطروحات بمرونة وحرية وشفافية بين المجتمع والحكومة التنفيذية، إن صح التعبير، بوزرائها الـ12، الذين أثروا الحوار حول ميزانية العام الجديد.
هذه المبادرة الحوارية، التي أقرتها وزارة المالية، تجسيد لمنهج الدولة في الشفافية، وبدأته وزارة المالية خلال عام 2018 بإعلان أرقام الميزانية، وما تضمنته من إيرادات ومصروفات بشكل دوري كل ثلاثة أشهر.
ولهذا لم تفاجئنا أرقام الميزانية بناء على التقارير المعلنة خلال الربعين الثاني والثالث للعام المالي السابق، التي كانت تشير بوضوح إلى ارتفاع الإيرادات، وتحسين كفاءة الإنفاق، وتراجع العجز المالي، محققة بذلك معايير الإفصاح المالي المتعارف عليها.
أعود إلى حلقات النقاش التي نظمتها وزارة المالية، وشاركت فيها أطياف اجتماعية مختلفة، بدءا من الوزراء المعنيين، الذين كانوا يتحدثون بثقة عن رؤية واضحة للإنفاق المستقبلي، وترجمة واقعية للمصروفات المخصصة لكل وزارة، من خلال برامج عمل ومشاريع واضحة المعالم والتنفيذ، ومرورا بنقاشات كثيرة، شارك فيها اقتصاديون وكتاب وإعلاميون ورجال أعمال.
حولت هذه النقاشات الثرية أرقام الميزانية إلى طرح شمولي تشاركي واقعي قريب من فهم كل الأطياف الاجتماعية، بعد أن كانت في السابق مجرد تقارير وأرقام غامضة مخصصة للنخبة فقط، وتنتهي بانتهاء إعلان ميزانية الدولة، مع بعض التصريحات الصحافية التي تشيد بالوضع دون التدخل في التفاصيل.
لقد انتصرت وزارة المالية على نفسها، وفتحت الباب بشجاعة للنقاش بثقة عالية دون خوف أو تردد، وتناول الطرح والنقاش محاور متعددة حول الميزانية المعلنة، بدءا من الإنفاق التقديري لعام 2019، ومرورا بمساهمة القطاعات غير النفطية فيها، وانخفاض العجز، ودور القطاع الخاص، والرسوم والضرائب وأسعار الطاقة، وخصخصة القطاعات الحكومية الجديدة، مثل الصحة والتعليم والمياه والطاقة، وزيادة فرص العمل والتوظيف.
لقد كانت تلك النقاشات مكسبا حقيقيا لا يقل أهمية عن إعلان الميزانية، فأجواء الحوارات الودية، وتبادل الأفكار، والحديث بوضوح عن خريطة التنمية في المرحلة المقبلة، وما تم إنجازه، وما يعترضها من عقبات، كان منهجا فريدا في تعزيز الشفافية، التي حرصت عليها المملكة في "رؤية 2030".
إننا اليوم أكثر ثقة وطمأنينة بمستقبل هذا الوطن بعد ما شاهدنا جملة من المنجزات المالية، التي جسدت أهمية الإصلاحات المطبقة خلال الفترة السابقة، التي تؤكد أننا نمضي في الطريق الصحيح نحو تحقيق أداء اقتصادي حيوي وفعال، يتسم بالشفافية والسمعة الائتمانية العالية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي