default Author

بداية جديدة للتمويل العالمي «2 من 2»

|

حين انسحبت المصارف الأوروبية والأمريكية إلى أسواقها المحلية، فقد توسعت المصارف في المناطق الأخرى خارجيا، على الرغم من أنه ليس من الواضح حتى الآن ما إذا كان هذا التوسع سيكون مربحا أو قابلا للاستمرار.
وتحتفظ المصارف الكندية الأربعة الكبيرة بنصف أصولها الآن خارج كندا، خاصة في الولايات المتحدة؛ وتوسعت المصارف اليابانية خارجيا أيضا. كما أن ما يطلق عليها المصارف الصينية الأربعة الكبيرة وسعت بسرعة إقراضها الخارجي، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى تمويل مشروعات الاستثمار الأجنبي المباشر في الخارج التابعة للشركات الصينية.
علينا ألا نحزن من إعادة مواءمة الخدمات المصرفية عبر الحدود. فالذروة الهشة التي بلغتها التدفقات الرأسمالية العالمية في السنوات التي سبقت الأزمة ليست قاعدة معيارية مناسبة يمكن استخدامها للحكم على حالة العولمة المالية. ولا يوجد توافق في الآراء على المستوى الأمثل للتدفقات الرأسمالية، لكن هناك اليوم أدلة قليلة على نقص التدفقات الرأسمالية المتجهة إلى الاقتصادات النامية أو المتقدمة.
وبدلا من الإشارة إلى نهاية العولمة المالية، فإن التطورات الأخيرة تشير إلى ظهور نسخة أكثر استقرارا وقدرة على الصمود. ولا تزال الأسواق المالية حول العالم مترابطة للغاية. وعلى الرغم من أن التدفقات السنوية من رأس المال الجديد تراجعت تراجعا كبيرا، فقد استمر نمو رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي وحوافظ حصص الملكية وحوافظ السندات منذ الأزمة، وإن كان بشكل أبطأ بكثير من السنوات التي سبقت الأزمة وعلى الصعيد العالمي، يتملك المستثمرون الأجانب 27 في المائة من حصص الملكية حول العالم مقارنة بنسبة 17 في المائة في عام 2000. وفي أسواق السندات العالمية، كان المستثمرون الأجانب يمتلكون 31 في المائة من السندات في عام 2016 مقارنة بـ 18 في المائة في عام 2000 ويعد عنصر الإقراض والاستثمارات الأخرى العنصر الوحيد من أرصدة الأصول والخصوم الاستثمارية الأجنبية الذي انخفض منذ الأزمة.
وهناك ثلاثة أسباب تشير إلى أن مستقبل العولمة المالية يمكن أن يكون أكثر استقرارا من الماضي، على الأقل على المدى المتوسط.
أولا، تغير مزيج التدفقات الرأسمالية العابرة للحدود بشكل كبير وبطرق ينبغي أن تؤدي إلى الاستقرار. فمنذ الأزمة، شكل الاستثمار الأجنبي المباشر 54 في المائة من التدفقات الرأسمالية العابرة للحدود، مرتفعا من 26 في المائة قبل عام 2007، ونظرا للحقائق الجديدة في تنظيم المصارف والتدقيق من جانب حاملي الأسهم، من غير المرجح أن يعود حجم الإقراض العابر للحدود إلى مستويات ما قبل الأزمة في المستقبل القريب. وسيعزز هذا التحول نحو الاستثمار الأجنبي المباشر، الاستقرار في التدفقات المالية العابرة للحدود. ونظرا لأن الاستثمار الأجنبي المباشر يمثل الاستراتيجيات طويلة الأجل للشركات فيما يتعلق بأثرها العالمي، فإنه يعد أقل نوع من التدفقات الرأسمالية تقلبا.
ومشتريات الحافظة من حصص الملكية والسندات أقل تقلبا أيضا من الإقراض العابر للحدود، وشكلت هذه المشتريات أكثر من 40 في المائة من إجمالي التدفقات الرأسمالية منذ الأزمة.
والإقراض عبر الحدود، ولا سيما الإقراض قصير الأجل، هو أكثر أنواع التدفقات الرأسمالية تقلبا، وينبغي أن يحظى تراجعه بالترحيب.
والمصدر الثاني المحتمل لمزيد من الاستقرار في العولمة المالية هو النمو المطرد لتحويلات العاملين إلى بلدانهم الأم. وهذه التحويلات أكثر استقرارا من الاستثمار الأجنبي المباشر نفسه وزادت بفضل زيادة الهجرة العالمية.
ولا تحسب تحويلات العاملين على أنها تدفقات رأسمالية في ميزان المدفوعات الوطني، فقد كانت قليلة جدا في الماضي. ولكنها أصبحت اليوم مصدرا كبيرا للتمويل في الاقتصادات النامية. وبحلول عام 2016، بلغت تحويلات العاملين إلى هذه الاقتصادات ما مجموعه 480 مليار دولار تقريبا، مقارنة بـ 82 مليار دولار في عام 2000 و275 مليار دولار في عام 2007. وهي تعادل الآن 60 في المائة من التدفقات الرأسمالية الخاصة "الاستثمار الأجنبي المباشر، وتدفقات حوافظ حصص الملكية والدين والإقراض عبر الحدود"، وتبلغ ثلاث مرات حجم المساعدة الإنمائية الرسمية. ومن المرجح أن تواصل تحويلات العاملين النمو مع استمرار الزيادة في الهجرة العالمية وتطور التكنولوجيات مثل المدفوعات باستخدام سلسلة التجمع والدفع عبر الهاتف النقال التي تجعل التحويلات أكثر سهولة وأرخص سعرا.
والمصدر الثالث المحتمل لمزيد من الاستقرار في التمويل العالمي هو تقلص وفرة المدخرات العالمية التي ظهرت قبل الأزمة. وتقلصت الاختلالات العالمية في الحسابات المالية والرأسمالية من 2.5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي العالمي في عام 2007 إلى 1.7 في المائة في عام 2016 ويؤدي ذلك إلى انخفاض احتمالات أن تسفر إزالة هذه الاختلالات فجأة عن حدوث تقلبات في أسعار الصرف وأزمات في ميزان المدفوعات في بعض البلدان. وإضافة إلى ذلك، تنتشر اليوم العجوزات والفوائض في عدد أكبر من البلدان، وانحسرت الاختلالات الكبيرة في الصين والولايات المتحدة. وهناك نقاش الآن بين الاقتصاديين حول إمكانية استمرار الاختلالات العالمية الأصغر حجما.
لا يوجد في أي من هذه التطورات ما يدعو إلى الشعور بالرضا، فلا تزال التدفقات الرأسمالية الإجمالية متقلبة، ومن المحتمل أن تؤدي إلى تقلبات في أسعار الصرف للاقتصادات النامية. ولا محالة من أن يأتي النظام المالي العالمي المتشابك بإحكام بمخاطر حدوث أزمات وعدوى. وفقاعات الأصول والانهيارات قديمة مثل الأسواق نفسها.
وإذا كنا قد تعلمنا أي شيء من الماضي، فهو أن الاستقرار يتحقق بصعوبة ويفقد بسهولة بالغة. وفي الوقت الذي بدأنا فيه نرسم أنماطا جديدة للاندماج المالي العالمي بعد التغير العنيف الذي حدث في السنوات العشر الماضية، فهناك معوق جديد - ومغير لقواعد اللعبة - آت في شكل تمويل رقمي. فمن المرجح أن تؤدي زيادة انتشار استخدام التكنولوجيات المالية الجديدة مثل المنصات الرقمية وسلسلة التجميع والتعلم الآلي إلى توسيع المشاركة في التمويل العابر للحدود وتسريع التدفقات الرأسمالية. وستكون هناك فرص هائلة، لكن ستكون هناك أيضا منافسة شرسة. ولا يعرف أحد منا حتى الآن ما المخاطر الجديدة التي يمكن أن تنشأ نتيجة التدفقات الأسرع لرأس المال حول العالم، لكن من المهم جدا توخي اليقظة والانتباه جيدا للتهديد المقبل الذي سيتعرض له الاستقرار.

إنشرها