default Author

استثمارات الشركات الوهمية حول العالم «1 من 2»

|
كشف بحث جديد أن الشركات متعددة الجنسيات استثمرت 12 تريليون دولار حول العالم في شركات صورية، وأن مواطني بعض البلدان غير المستقرة ماليا والدول المنتجة للنفط يمتلكون حصة كبيرة منها لا تتناسب مع ثرواتهم الشخصية التي تبلغ سبعة تريليونات دولار مخبأة في الملاذات الضريبية. بالرغم من أن تسريبات سويس Swiss Leaks ووثائق بنما، وعمليات الإفصاح الأخيرة الصادرة عن هذه الصناعة الخارجية، قد كشفت بعض الطرق المعقدة التي تستخدمها الشركات متعددة الجنسيات والأفراد الأثرياء في الملاذات الضريبية للهروب من دفع حصتهم العادلة، فإن العالم المالي الخارجي لا يزال شديد الغموض. وبسبب السرية التي ترتكز عليها الخدمات التي تقدمها المصارف الخارجية، والمحامون وشركات التوطين، من الصعب معرفة الأموال التي يتم توجيهها من خلال الملاذات الضريبية، فيما يتعلق بمن أين تأتي وإلى أين تذهب. واليوم تكتسب هذه الأسئلة أهمية خاصة في البلدان التي تكثر فيها المبادرات السياسية الرامية إلى الحد من الاستخدام الضار للملاذات الضريبية. فالسياسات التي تعرف باختصاراتها، مثل "فاتكا FATCA" "القانون الأمريكي للامتثال الضريبي المعني بالحسابات الخارجية"، و"سي آر إس" CRS "معيار الإبلاغ الموحد"، و"بي إي بي إس" BEPS "تآكل القواعد الضريبية ونقل الأرباح"، تقدم مجموعة متنوعة من متطلبات الإبلاغ الجديدة تشمل: قيام الشركات متعددة الجنسيات بإبلاغ بلد تلو الآخر بمعلومات حول نشاطها الاقتصادي. كما يجب على المصارف إجراء عمليات تحقق شاملة عن خلفيات العملاء لتحديد الحسابات المملوكة لأجانب وإبلاغ السلطات الضريبية بالمعلومات التفصيلية عن تلك الحسابات؛ وبالتالي يجب على السلطات الضريبية تبادل المعلومات ذات الصلة بالضرائب مع نظيراتها الأجنبية بموجب اتفاقيات تبادل شامل للمعلومات. هذه الموجة الجديدة من سياسات فرض الضرائب تثير جدلا. فبينما يرحب البعض بالمحاولات الطموحة لإصلاح ما ينظر إليه على أنه نظام ضرائب دولي غير صالح حيث يطبق على النخب في العالم معدلات ضريبية فعالة منخفضة، يرى آخرون أن تكلفة إنفاذ هذه السياسات يمكن أن تقلل من فوائدها. ومن المستحيل تحديد أي وجهة نظر أقرب إلى الحقيقة دون اتخاذ تدابير موثوقة تتناسب مع نطاق هذا التحدي الخارجي. ولحسن الحظ، أن الإحصاءات الصادرة أخيرا عن منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي وبنك التسويات الدولية بشأن المراكز المالية العابرة للحدود قد سمحت للباحثين بالشروع في اختراق غطاء السرية الخارجية. ينظر عادة إلى الاستثمار الأجنبي المباشر على أنه استثمار استراتيجي مستقر طويل الأجل يعكس القرارات الأساسية المتعلقة بالموقع الذي توجد به الشركات المتعددة الجنسيات. ومن المعتقد غالبا أن مثل هذا الاستثمار يجلب فرص العمل، والإنتاج، وبناء المصانع الجديدة، ونقل التكنولوجيا. إلا أن دراسة جديدة Damgaard and Elkjaer 2017، نشرتها منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، تجمع بين الإحصاءات التفصيلية عن الاستثمار الأجنبي المباشر والتغطية الشاملة للمسح المنسق للاستثمار المباشر الذي أجراه صندوق النقد الدولي، تبين أن رقم 12 تريليون دولار المذهل ــ وهو ما يقارب 40 في المائة من جميع مراكز الاستثمار الأجنبي المباشر عالميا ــ رقم مختلق تماما: فهو يتكون من استثمار مالي يمر من خلال شركات صورية ليس لها أي نشاط حقيقي. هذه الاستثمارات في شركات صورية تكاد تمر دائما من خلال الملاذات الضريبية المعروفة جيدا. وتستضيف اقتصادات الانتقال الرئيسة الثمانية ــ وهي هولندا ولكسمبرج وهونج كونج، وجزر فرجن البريطانية، وبرمودا، وجزر كايمان، وأيرلندا، وسنغافورة ــ أكثر من 85 في المائة من استثمارات العالم في كيانات ذات غرض خاص، التي غالبا ما تكون قد تأسست لأسباب متعلقة بالضرائب. تشمل خصائص هذه الكيانات تسجيلا قانونيا خاضعا للقانون الوطني، وملكية نهائية للأجانب، وعددا قليلا من الموظفين أو عدم وجود موظفين، وقلة الإنتاج أو عدم الإنتاج في الاقتصاد المضيف، ووجودا ماديا قليلا أو غير موجود على الإطلاق، ومعظمه من الأصول والخصوم الأجنبية، وتمويلا جماعيا أو أنشطة حيازة تمثل عمل هذه الكيانات الأساسي. إن مثل هذا الاستثمار الخارجي يزداد أهمية. وعلى عكس محفظة الاستثمار وغيرها من الاستثمارات، فقد أخذ الاستثمار الأجنبي المباشر في التوسع في أعقاب الأزمة المالية، مدفوعا أساسا بمواقفه تجاه المراكز المالية نتيجة للتعقيد المتنامي في هياكل الشركات متعددة الجنسيات الكبيرة "دراسة Lane and Milesi-Ferretti 2018". إن استخدام الكيانات الناقلة في الملاذات الضريبية لا يعني في حد ذاته تجنب الضرائب، ولكنه يعني بالتأكيد توفير مزيد من الفرص لتجنب الضرائب وحتى التهرب الضريبي. يتطلب عديد من الاستراتيجيات الأكثر تشددا للحد من الضرائب تنظيم الاستثمارات بهذه الطريقة على وجه التحديد، ومن الموثق جيدا أن الشركات متعددة الجنسيات ذات الوجود الاسمي في الملاذات الضريبية تدفع، في واقع الأمر، ضرائب أقل على أرباحها العالمية... يتبع .
إنشرها