الاستشاريون .. والمشورة غير المؤكدة

يوجد اعتقاد شائع يفيد بأنه يجب على الاستشاريين التصرف بكل ثقة، وتقديم إجابات واضحة ومختصرة، كي يظهروا بوصفهم مصدرا موثوقا، وللحفاظ على استمراريتهم في العمل. في كتابه "التفكير، السريع والبطيء" لعالم النفس الشهير دانيال كانيمان، يرى الكاتب أن الخبراء الذين يعترفون بجهلهم من المتوقع استبدالهم، كون الاستشاريين ممن يتمتعون بالثقة أكثر قدرة على اكتساب ثقة عملائهم. ويضيف كانيمان "على الرغم من أن التقدير غير المتحيز لحالة عدم اليقين يعد حجر الزاوية للعقلانية، إلا أنه غير مرغوب فيه بالنسبة للمؤسسات أو الأفراد". تظهر أبحاث التصوير العصبي أن الشك يحد من قدرتنا على الاستعداد بكل جاهزية للمستقبل، ما يؤدي بدوره إلى الشعور بالخوف. تترك مثل تلك النتائج صداها على الخبرات اليومية لعديد من الاستشاريين حول العالم. تم الطلب من أحد كتاب هذه المقالة تقديم مشورة مالية أكثر دقة ووضوحا للظهور بمظهر الواثق، فذلك ما يبحث عنه العملاء. بالمثل، عادة ما يطلب طلاب ماجستير إدارة الأعمال من أساتذتهم عدم بناء احتمالات، واستخدام كلمات، مثل "يعتمد على" أو "في حال". فهم يفضلون سماع إجابة واحدة عن مشكلة معينة، أو نهج من ثلاث خطوات لاتباعه في كل مرة. ومع ذلك، تتعامل هذه الأمثلة مع متغيرات معقدة لعملية صنع القرار، حيث يكون من السيئ إعطاء مشورة مؤكدة. الرسالة في مقابل المرسل، يواجه الاستشاريون سؤالين وثيقي الصلة: "ما نوع المشورة التي يجب أن أقدمها؟"، و"كيف ينبغي لي طرحها بطريقة أتفوق بها على المنافسين؟". لحسن الحظ، أعطت ورقة أبحاث نشرت أخيرا لـ "سي جيرتج" و"جي بي سيمونز" من كلية وارتون بعض الإجابات. بحثت ورقة العمل التي حملت عنوان: هل يكره الأشخاص بطبيعتهم المشورة غير المؤكدة؟ إذا كان الأشخاص يفضلون التعامل مع الاستشاريين الذين يتمتعون بالثقة، على المترددين، وإذا ما كان ذلك ينطبق على المشورة نفسها. تضمنت الورقة 11 دراسة، كانت نتائجها متسقة على نحو كبير. لم يكن مفاجئا تفضيل الأفراد للاستشاريين الذين يظهرون ثقة بالنفس على المترددين، لكن عند مواجهة خيار صريح، فضل المشاركون في الدراسة، المشورة غير المؤكدة. ودحضت الدراسات فكرة أنه يجب على الاستشاريين تقديم مشورة مؤكدة لا تنطوي على احتمالات، كي تنال الاهتمام، أو لينظر إلى صاحبها على أنه واثق بنفسه. في الحقيقة، من الممكن فصل الثقة عن اليقين عند تقديم المشورة. فالاستشاري الذي يقدم مشورة مؤكدة بكل ثقة سيتم تقبلها، وسينال ثقة العميل. عند تلقي مشورة غير مؤكدة "تنطوي على احتمالات"، نظر المشاركون إلى الاحتمالات الأعلى "من 73 إلى 85 في المائة" بشكل أكثر إيجابية من الأرقام التي تقارب 50 في المائة. بحسب جيرتج وسيمونز، ينظر إلى الاحتمالات الأعلى على أنها غنية بالمعلومات، وبالتالي، تساعد على التكهن بشكل أكبر. حذر الباحثان من تعميم النتائج التي توصلا إليها على جميع الحالات. فعلى سبيل المثال، يجب أن يكون المسؤولون عن التوظيف أو خبراء الموارد البشرية على دراية بأن المديرين الذين يوافقون على مرشحين معينين، يرغبون في سماع تأكيد على أنهم الأفضل للقيام بهذه المهمة، وليس "من المحتمل أن يكونوا مناسبين". ما نصيحتهم الأخيرة؟ تواصل بكل ثقة، لكن لا تقدم معلومات خاطئة بثقة.

الآثار المترتبة على ارتكاب خطأ
وصف كل من آرنسون، ويليرمان، فلويد عام 1966 كيفية تقبل الأشخاص الأخطاء المحرجة. وتبين أن ذلك يعتمد على مستوى كفاءة الشخص. ففي حين يلقى الاستشاري صاحب الخبرة الطويلة والتقدير استحسانا عند ارتكابه خطأ، فإن العكس هو المرجح إذا ما كان مستواه عاديا. في حال كان الاستشاري شخصا محل ثقة وتقدير، فإن أي خطأ يرتكبه خارج نطاق خبرته سيلقى قبولا. ولكن إذا كان الخطأ ضمن مجال خبرته، فسيؤثر ذلك في مصداقيته، لذا عند إعطاء نصيحة غير مؤكدة، يجب أن تجعل عميلك يدرك مدى تعقيد المسألة، وأن توظف خبرتك بشكل مناسب للخروج بنصيحة ملائمة. فإظهار ضعف في مجالات بعيدة عن اختصاصك قد يزيد من شعبيتك.

تخفيف حدة المقاومة للنصيحة المقدمة
من جهة أخرى، وجد كل من لوشلدر وفرايس وشيرير وجالينسكي، أن إعطاء سعر محدد خلال المفاوضات يلقى استحسان كل من المختصين وغير المختصين، لكن لدرجة معينة. عندما كان العرض الافتتاحي بعيدا كليا عن المستوى المتوقع، استنتج المختصون ـــ ممن يفهمون مدى تعقيد الواقع، ويتعاملون مع قرارات ذات احتمالات عدة ــــ أن الطرف الآخر غير كفء. بالمثل، الاستشاريون الذين يحاولون تقديم مشورات دقيقة للمختصين، غالبا ما تعد مشورتهم تحديا، وتلقى الرفض، لكن عند تقديم مشورة ذات شرعية، تلقى التقدير الذي تستحقه. ويناقش البروفيسور آدم جرانت، من كلية وارتون، فكرة أن المفاوض يبدو خلال المفاوضات أكثر مصداقية وإقناعا في حال عدم طرحه وجهة نظره بصورة مؤكدة، وهو مفهوم نطلق عليه "التواصل الضعيف". أما في حال حاول الطرف المقابل فرض وجهة نظره، فسيوجد ذلك مقاومة أكبر. وعلى العكس، عندما يستخدم المفاوضون حججا غير مؤكدة، يظهرون انفتاحهم على وجهات نظر مختلفة، ما يوجد مقاومة أقل، ويزيد من فرص الإقناع. مقارنة بالعمل الاستشاري، تحمل المفاوضات توترا ملحوظا بسبب المنافسة، التي قد تقلص بدورها من قدرة الطرف الآخر على تحمل الزيادة في الأسعار، والوصاية العلنية، وبالتالي، المشورة المحددة. تذكر فقط أن إعطاء مشورة غير مؤكدة ليس بالأمر السيئ، فقط تأكد من تقديمها بكل ثقة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي