تساؤلات حول شهادة الاستدامة

في لقاء نظمته الغرفة التجارية في الرياض، قبل أيام، مع عصام المبارك؛ محافظ هيئة العقار، صرح تصريحاً بالغ الأهمية. قال ما معناه إن الهيئة تسعى لرفع قوي لمستوى جودة المنتجات العقارية من خلال تبني ما يسمّى "شهادة الاستدامة" التي يلتزم المطور العقاري بتقديمها، وتدخل شركة التأمين طرفاً بتحملها أخطاء التنفيذ أو عيوبه مستقبلاً.
ونشرت وسائل إعلام كثيرة قبل سنتين "أيار (مايو) 2016"، أن وزير الإسكان كشف عن أن كثيراً من البناء الفردي تنقصه الجودة من الناحية الهندسية. وقدّر الوزير أن البناء الفردي يمثل قرابة 90 في المائة من المنتجات الإسكانية الموجودة.
وأكد الوزير الحقيل؛ أهمية إيجاد الآليات لإشراك المهندسين السعوديين في الإشراف على بناء المساكن، بتكاليف معقولة وجودة عالية، في ظل استحواذ البناء الفردي وعدم الاستعانة بالناحية الهندسية؛ ما سبب ضعفاً وهدراً في البناء.
كلام الوزير ثم المحافظ يشير إلى مشكلة كبيرة؛ بل كبيرة جداً لعدد كبير من الناس. وأضرب مثالاً حديثاً: اشترى أحد الناس قبل نحو سنة فيلا من هذه المباني. ومَن طوّرها بناها أصلاً لاستعمال شخصي بالتعبير الدارج.. لكن الظروف لاحقاً دفعته إلى بيعها. بعد مرور سنة تقريبا على شرائها، تبيّن للمالك الجديد أن البناء مغشوش إنشائياً، ولكنه جيد من حيث التشطيب والمواد. والمالك الآن في مشكلة عويصة، فإصلاح ما اشتراه يتطلب مبالغ طائلة تساوي تقريباً نصف تكلفة البناء من جديد.
حسب علمي، التطوير الفردي هو نمط الأعمال الوحيد الذي لا يحتاج إلى سجل تجاري. يحق لكل فرد بالغ عاقل أن يشتري أرضاً ويحصل على فسح بناء ويبني، سواء بغرض شخصي أو بهدف التربح. وهناك وحدات سكنية كثيرة بُنيت أصلاً بما يسمّى البناء الشخصي، وسكنها أصحابها زمناً، ثم بدا لهم لاحقاً البيع لسبب أو لآخر.
وحسب فهمي لكلام المحافظ، أن شهادة الاستدامة ستطبق على البناء الجديد لشركات التطوير. وهنا يبرز سؤالان:
الأول: كيف ستضبط السلامة وتطبق الجودة أيضاً على البناء الفردي الجديد؟
الثاني: ماذا بشأن الموجود قبل تطبيق شهادة الاستدامة، سواء كان بناءً فردياً أو عبر مطورين؟ هذان سؤالان جوهريان.
شهادة الاستدامة ذات فائدة عظيمة جداً، خاصة مع كثرة الغش وسوء التنفيذ. لكن من المهم أن يعرف أن للتنظيمات الحكومية الهادفة إلى رفع الجودة ثمناً أو تكلفة، إلى جانب ما تجلبه من نفع وخير.
أما الثمن فمن ثلاث جهات: الأولى: رفع تكلفة إنتاج السلعة المطبق عليها معايير الجودة. والثانية: تكلفة التأمين. والثالثة: تقليل العرض عبر تقليل عدد الوحدات المسموح بعرضها للبيع بسبب رفض إنتاج رديء من الدخول إلى السوق.
ارتفاع هذه التكاليف سينعكس على الأسعار جزئياً. لكنها في المقابل تخفض تكاليف صيانة وإصلاح عيوب هذه السلعة مستقبلاً وتكاليف أخرى. بعبارة أخرى: الضمان يرفع أسعار البيع مقارنة بعدم وجود الضمان، لكنه يخفض تكاليف ما بعد البيع. وهذه التكاليف أعم وأشمل من مجرد ما يدفع لإصلاح العيوب في المباني؛ بل تشمل أيضاً قائمة من تكاليف أخرى منظورة وغير منظورة.
السؤال الآن: أيهما أكثر، الزيادات على الناس في السعر أم انخفاض تكاليف ما بعد البيع على الناس؟ أرى وبقوة أن الثاني أكثر. مثلاً: سأفترض مجرد افتراض أن تكاليف تحسين الجودة 20 ملياراً في العام، فإني أتوقع أن تكاليف إصلاح العيوب وتكاليف أخرى لو لم تحسن الجودة ستكون أكثر كثيراً من 20 ملياراً في العام. ومن ثم فالصافي توفير مليارات على المشترين والاقتصاد سنوياً. هذا التوفير يبرر تشديد مستوى شهادة الاستدامة.
شهادة الاستدامة ينبغي ألا تقتصر فقط على سلامة الإنشاء والبناء؛ بل تتعدى أيضاً إلى معايير لها علاقة بالصحة العامة، وصحة الساكنين. وهنا أقترح على وزارة الإسكان ووزارة الشؤون البلدية وهيئة العقار التعاون مع وزارة الصحة بهذا الشأن.
يجب أيضاً أن تشمل شهادة الاستدامة سلامة المباني فيما يتعلق بالوقاية من الحرائق، وتصميم وتكاليف أنظمة الكشف عن الحريق في المباني، وما إلى ذلك. وهذا موضوع خارج تخصص الكاتب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي