التفرقة العمرية

تحدث التفرقة العمرية عندما تتم معاملة الموظف، أو أي شخص ما، بطريقة غير مرضية بسبب عمره فقط. وهي أحد أشكال العنصرية والظلم التي تنتشر في بعض البيئات تبعا للتوزيع العمري لمتخذي القرار والمتأثرين به وغالبا ما تحدث عندما تبنى توقعات غير ملائمة من الآخرين بخصوص أداء وإنتاجية فئة عمرية محددة. يؤثر في وجود التفرقة العمرية درجة الوعي الاجتماعي-المدني ومستوى التغيير الذي يحصل في توزيع الكفاءات بين الفئات العمرية خلال فترة زمنية محددة، إضافة إلى عدد من الخصائص والظروف الديموغرافية. تعتبر قوانين الحماية من التفرقة العمرية جديدة نسبيا، خرج أشهرها ـــ خلال الستينيات الميلادية في الولايات المتحدة ــــ حماية لكبار السن من التفرقة التي انتهجها القطاع الخاص في ذلك الوقت بحثا عن المهارات الشابة حين أغلقت بعض الوظائف لمن هم فوق 45 أو 55 عاما. توسعت اليوم هذه القوانين ويتم تنظيمها لتشمل التفرقة العمرية لكبار السن والصغار كذلك وتشمل أيضا وقت التقاعد المناسب، إضافة إلى تحديد مواضع التفرقة التي يمكن أن يتعرض فيها الموظف لهذه الممارسات مثل مراحل التوظيف، وإنهاء العلاقة التعاقدية، والتعيينات والترقيات، والتدريب والمنافع الأخرى.
لا تنحصر أشكال التفرقة العنصرية العمرية أساسا في التوظيف وما يتعلق به، وإنما كان التوظيف هو المجال الذي خرجت فيه القوانين بعد أن تضاعفت الممارسات. قد يحدث هذا السلوك في أي سياق آخر يتم التعامل فيه بشكل سيئ مع أحد الأطراف فقط لأنه جرب الحياة لعدد أطول، أو أقل، من السنوات. تدخل الشبهات بسهولة هنا، فقد يسأل أحدهم، وهل يمكن أن يكون تقدير الكبير ظلما للصغير كما يحدث في المناسبات الاجتماعية؟ أو إجبار الكبير على الوقوف في الطابور تفاديا للتفرقة العمرية ظلما للكبير الذي قد لا يملك القدرة على الانتظار مثل الأصغر سنا؟
لا يمكن محاربة التفرقة العمرية بالمساواة العمرية، فالتفرقة أساسا سلوك سلبي يتم فيه الحكم على الغير بناء على معطيات غير سليمة، وليس انعاكسا لمساواة مفقودة. المدخل لمحاربة هذه السلوك يقوم على القيم الأساسية نفسها التي أسستها لنا الشريعة كالعدل والنزاهة والموضوعية وبعض القيم الخاصة التي شددت عليها مثل توقير الكبير والعطف على الصغير. بل أرى أن محاربة التفرقة العمرية تقوم على الاهتمام بمزيج هذه القيم الأخلاقية المختلفة الموجودة أساسا في مجتمعنا مثل تقدير الظروف العمرية والصحية بعد افتراض العدل بين الجميع، وتجنب ربط الأحكام التي نطلقها استنادا إلى محددات غير ملائمة مثل العمر.
وتبعا للتطورات التي تحدث حولنا، نرى أشكالا مختلفة للتفرقة العمرية التي قد تؤثر سلبا في النجاحات التي نسعى لها. أولها ما يحدث بشكل متكرر من استبعاد المتقدمين لمجرد أنهم تجاوزوا عمرا محددا أو لم يصلوا بعد لعمر معين. وتتطور أشكال التفرقة العمرية عندما نقلل أحيانا ـــ مجتمعيا ـــ من قدرات المتقاعدين، وخصوصا من تقاعدوا مبكرا، باعتبار أنهم وصلوا لمرحلة الراحة والمشاهدة. هذا افتراض غير صحيح، فمعدل الأعمار ارتفع والأنشطة التي يمكن للشخص أن يقوم بها اختلفت اليوم عن 30 أو 40 عاما ماضية. هناك اليوم من يعيد اكتشاف نفسه بعد الـ 50 و60 وربما الـ 70. وفي الجانب الآخر، نقلل من قدرة الشباب الصغار على القيام بالمسؤوليات الجسيمة، بحجة أنه يحتاج إلى مزيد من الوقت للتعلم، وهذا قد يكون صحيحا في بعض الأحيان ولكننا ننسى أن سنة مع عالم الإنترنت قد تعدل معرفة حياة كاملة قبل الإنترنت. كذلك من المشاهد الأخيرة المتكررة استنكار وصول صغار السن للوظائف القيادية، وهذا الأمر يستحق التوقف ومشاهدة النتائج على أرض الواقع قبل الحكم، على الرغم من أن القائد الشاب الذي يعرف كيف يسد فراغاته بالاستناد إلى من يملك الخبرة وبالتعلم السريع لا ينقصه شيء على الإطلاق.
أتمنى أن أرى من المختصين تفصيلا عصريا حول ممارسات التفرقة العمرية في سياقنا المحلي المتغير، وأفضل دعم لهذا التفصيل وجود القوانين والإرشادات النظامية التي تضع الحدود بشكل واضح ومباشر وتأخذ في الاعتبار القيم الشرعية والحالة المحلية الراهنة. ولا يخفى علينا أن الوعي الذاتي بالأخلاقيات ذات العلاقة والسلوكيات الجيدة من أفضل ما يحمينا من الوقوع في مصيدة هذه الأحكام الجائرة التي نطلقها على الآخرين أو نؤثر بها في حياتهم دون وجهة حق، سواء كان الفعل الذي يصدر تبعا لهذه الأحكام قرارا وظيفيا أو مجرد تعامل في مكان عام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي