المؤلفون الجدد
يقول الفرزدق عن الكتابة "إن خلع ضرس أهون عليّ من قول بيت من الشعر في بعض الأوقات".
في زيارتي لمعرض الرياض الدولي للكتاب لفت نظري غزارة الإنتاج الأدبي لمؤلفين جدد، وهذا أمر جميل في حد ذاته ويبعث على التفاؤل، لأن كثيرا من الأجيال الناشئة تتابع هؤلاء المؤلفين الجدد، ولكن الأمر جميعه يدور حول هذا السؤال الجوهري.. هل جودة المحتوى تتناسب مع كل غزارة الإنتاج هذه؟!
حين يتحول التأليف إلى هوس و"موضة" هنا تكون الكارثة بمعناها الحقيقي، لأن كل من هب ودب سيلج من بوابة الكتاب وسيسهم في تضخم هذا الغثاء الذي أصبحنا نخشى أن يغرق عقول أجيالنا ويقودهم نحو السطحية في الطرح والإسفاف في التعبير والتفاهة في المحتوى!
لسنا نحارب الإبداع ولكننا ضد الانحدار في الطرح، فليس هناك أي مبرر في العالم يمكن أن يقنعني أن كل ما يعرض فوق أرفف المكتبات يطلق عليه أدب حقيقي في ظل الفوضى الثقافية، التي أصبحنا نعيشها بدخول "بعض" الحمقى من مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي إلى عالم التأليف. الطامة العظمى لا تتمحور حولهم، بل بملايين المتابعين الذين يسيرون خلفهم بلا وعي وإدراك ويتخذونهم قدوات ويسيرون خلفهم وكأنهم "منومين" مغناطيسيا!
كيف فجأة يتحول حمقى "السناب" و"فاشينستاته" إلى أدباء ومؤلفين وهم لا يملكون أدوات الكتابة ولا يدركون قوة تأثير الكلمة، ولم نشاهدهم يوما في محفل ثقافي أو علمي أو أدبي.. بل نشاهدهم طوال السنة يلهثون خلف الدعايات والإعلانات والترويج "لبوتيكاتهم" وعطوراتهم وبضائعهم المزجاة.. وكأنهم لم يكتفوا بذلك بل امتدت أطماعهم لتصل لمعارض الكتب التي أخشى عليها من أن تتحول لسوق "نخاسة" قابلة للعرض والطلب و"الجمهور عايز كدا"!
حمقى "السناب" و"فاشينستاته" يفكرون بمنصات التوقيع وفلاشات التصوير و"البوديقاردات" والدعايات لترويج كتبهم قبل تفكيرهم بمحتوى الكتب التي سيؤلفونها، لذلك إن لم ننتبه للأمر قبل استفحاله فالله يعيننا على غثاء ثقافي قادم قد يغرق أجيالنا ويقودهم نحو الإسفاف والتفاهة والسطحية!
يقول برناردشو «الدجاجة تبيض صائحة والكاتب يبدع متألماً» أظن لو كان برناردشو على قيد الحياة لأدرك أنه ليس الدجاج فقط من يعلو صياحه في هذا العالم بل نوع آخر من المؤلفين الجدد الذين أبعد ما يكونون عن الإبداع وأقرب ما يكونون للفلاشات.. والفلاشات فقط!