إيران .. إنتاج الفقر والإرهاب
"في إيران نظام ديكتاتوري فاسد أضر بشعبه أكثر من أي جهة أخرى"
دونالد ترمب - رئيس الولايات المتحدة
نقلت منظمات دولية لحقوق الإنسان سلسلة من الصور الفوتوغرافية ومقاطع الفيديو عن أشكال بشرية في إيران، وصفها أحد المسؤولين في هذه المنظمات بأنها تشبه أشكال أولئك الذين ظهروا قبل الحضارة الإنسانية. والمشاهد المشار إليها، كانت من أحياء سكنية في عدد من المدن الإيرانية بما فيها طهران، تختصر حالة الفقر التي يعيشها الإيرانيون. بعض هؤلاء يعيشون في كهوف حقيقية. بالطبع، كانت كل الصور والمواد الإعلامية التي سربت من هذه المناطق سرية. فالسلطات الحاكمة في هذا البلد تمنع إنتاج مثل هذه المواد، في إطار سعيها لطمس الحقيقة، لاسيما تلك التي تختص بالحياة اليومية للفرد الإيراني. وإذا كان إيرانيون يعيشون في كهوف، فهناك إيرانيون يعيشون في بيوت ولكن بمعايير الكهوف نفسها. والسبب هو هو، الفقر الذي أنتجه نظام الملالي في بلد يتمتع بسلسلة من الثروات كافية لأن تجعل الحياة فيه طبيعية بمستويات مرتفعة من الكرامة.
الانتفاضة التي تشهدها إيران حاليا ليست جديدة، ولا مستغربة، وبالتأكيد ليست مفاجئة. الإيرانيون كما بقية العالم يتوقعون انفجارها في أي لحظة لأن نظام علي خامنئي لم يترك مجالا لتفاديها. وهذا النظام ربما استسهل الانتفاضة مستندا إلى سحقه انتفاضة عام 2009، التي أظهرت مرة أخرى وحشية نظام لا يأبه بشعبه، نظام لا تهمه الأكثرية الصادقة الطبيعية، بل الأقلية الكاذبة الإرهابية التخريبية. من هنا، يمكن لأي مراقب أن يلحظ أن الولاء لنظام "الولي الفقيه" الإرهابي، هو المؤهل الوحيد المطلوب من أي إيراني للوصول إلى غاياته، بصرف النظر عن ماهية هذه الغايات. ومع توسع نشاط إيران الإرهابي، بات ولاء الأجنبي للنظام المذكور، هو "العقد" غير محدد المدة، طالما أن مثل هذا الولاء يستهدف وطن الأجنبي نفسه.
اعتمد نظام الملالي منذ وصول الخميني إلى السلطة أسوأ أنواع الممارسات وأنشأ ذلك الوهم الذي أطلقه عليه "الولي الفقيه"، لتكريس أوهام أخرى كـ"تصدير الثورة"، وهو قطاع يختص في الدرجة الأولى بنشر الطائفية في أي مكان يمكن لعصابات إيران الوصول إليها. لم تقف "الثورة" الإيرانية مع حراك ثوري محق حول العالم. هي الواقع دعمت ولا تزال، العصابات ومعها بعض الأنظمة المارقة، بل اعتمدت طريقا لتوالد العصابات الإرهابية هنا وهناك. لم يشكل التمويل عند هذا النظام التخريبي أزمة، فالجميع يعرف أن مثل هذه الاستراتيجية المشينة تستنزف أموالا كثيرة. وحدث في التاريخ أن انهارت بلدان نتيجة تمويل أنظمته الإرهاب بكل أشكاله، وتكوين العصابات الإجرامية في أي منطقة يمكن الوصول إليها.
أمام هذه الواقع، كان لابد أن ينتج نظام إرهابي أكثر من 40 مليون إيراني يعيشون تحت خط الفقر، من المجموع الكلي للإيرانيين الذي يصل إلى 80 مليونا. هذه الحقيقة تقابلها حقيقة بشعة أخرى، وهي أن المساعدات والمعونات الإغاثية المعيشية لا تصل إلا لعشرة ملايين من هؤلاء الفقراء. والإرهاب أيضا أن السلطات لا تسمح لأي منظمة دولية معترف بها عالميا أن تسهم في تخفيف المآسي المعيشية للفقراء، ناهيك عن بطالة تصل إلى أكثر من 12 في المائة، وعملة متهاوية تأكل نفسها كل يوم. هذه الأرقام العامة، لم تأت بالطبع من المنظمات العالمية، بل جاءت علنا من رئيس لجنة الخميني الإغاثية الحكومية في إيران. أي أن أحدا لا يمكنه بأي شكل من الأشكال أن يكذبها.
لم تكن إيران فقيرة حتى في ظل العقوبات الغربية التي فرضت عليها بسبب برنامجها النووي الشهير. لكنها افتقرت بالطبع لأن أموال شعبها كانت تذهب للخارج على شكل أعمال إرهابية، وتشكيل العصابات الإجرامية، وافتعال الفتن والمشاكل في هذا البلد أو ذاك. وعندما أقدمت البلدان الغربية على رفع العقوبات في أعقاب الاتفاق النووي الهش مع طهران، لم تتحسن الأوضاع المعيشة للإيرانيين، لأن نسبة كبيرة من الأموال الناتجة عن رفع العقوبات ذهبت في طريقها التلقائي لتمويل الجهات الإرهابية المشار إليها. دون أن ننسى بالطبع، أن ما يسمى "الحرس الثوري"، يسيطر على قرابة نصف الاقتصاد الوطني الإيراني قبل العقوبات وبعدها. وعلينا أن نتخيل حجم الأموال التي حرم منها الإيرانيون لتتوجه إنتاج الإرهاب والظلم والمآسي والتخريب.
انتفاضة الإيرانيين اليوم أخذت أبعادا جديدة، بل لنقل متجددة، تتعلق بالاستثمارات الإرهابية لنظام إرهابي في حين لم يحظ الإيرانيون باستثمارات حقيقية يمكنها أن توفر الوظائف، وتخفض عدد أولئك الذين يعيشون تحت خط الفقر. ففي حين يضخ علي خامنئي المليارات في حرب ضد الشعب السوري، مثلا، تعاني حتى منصات النفط التي توفر العوائد "الوطنية" توقفا وتعطلا بسبب عدم الاستثمار في عمليات التجديد أو التطوير فيها. هذا مثل بسيط يضاف إلى مئات الأمثلة التي تظهر بوضوح كيف أن الأنظمة الإجرامية لا تنتج في النهاية إلا بضاعة على شاكلتها، ولا يكتوي منها أولا سوى شعوبها، الذين عادوا إلى عصر الكهوف.