ولا شيء
حين أمسكت بقلمي محاولة إيجاد فكرة لمقالي هذا الأسبوع شعرت أنه "لا شيء" في عقلي، حاولت عصر أفكاري، ولكن بلا جدوى، فخطر في بالي أن أكتب عن موضوع متميز لم يتطرق إليه أحد من قبلي، وبدأت في عملية عصف ذهني متعبة، لكني عدت إلى نقطة البداية نفسها "لا شيء"، ثم تساءلت بيني وبين نفسي: ما الموضوع الذي لم يتطرق إليه أي كاتب أو مؤلف أو مثقف أو أي إنسان في هذا العالم؟ فوجدت الإجابة نفسها "لا شيء"، فكل المواضيع والقضايا والمشكلات والظواهر والأزمات والقوانين تم نقاشها حتى استهلكت، لا أخفيك سرا عزيزي القارئ شعرت ببعض العداء لكلمة "لا شيء"، فقررت أن أكتب عنها! ـ حين تسأل إنسانا حزينا: ما بك؟ فيقول لك "ولا شيء"، فاعلم أن ما يتلاطم في صدره من الوجع العميق في تلك اللحظة قد بلغ حدا، لن تستطيع كل قواميس العالم أن تشرحه لك، أو توصل إليك معاناته، فهو يختبئ خلف هذه الكلمة ليداري أوجاعه، ويقيم أمامك سدا يصد فضولك! ـ حين يقول لك إنسان ما "لا شيء في هذا العالم يستحق"، فكن على يقين أنه قد أصيب بخيبات أمل متتالية، وفترات إحباط مؤسفة، استهلكت مشاعره الإنسانية وعطاءه وحسن نواياه، فأصبحت كل الألوان في نظره لونا واحدا، لم يعد فيها ما يغريه بالتأمل، لذلك حين أدرك أخيرا أنه ليس وكيل ابن آدم على ذريته، اتخذ قانونا يحميه من "وجع الرأس"، ومن الكدر والضيق الذي قد يصاب به بعد كل خيبة أمل أو إحباط.. "لا شيء في هذا العالم يستحق"، فهو قانون أقرب ما يكون إلى بطاقة عزاء يرسلها إلى نفسه حين يشتد الألم! ـ حين يسأل زوج زوجته عن سبب دموعها، فتقول له "ولا شيء"، فهناك حتما أصوات انهيار حجارة في داخلها، كانت في الماضي القريب تشكل جسرا متينا من الثقة بين قلبه وقلبها. من أشد أنواع الوجع قسوة أن تكتشف أن الشخص الذي كان يمثل خريطة أحلامك وجواز سفرك نحو آمالك هو من خذلك، وأنك ستضطر مرغما بعد أن فقدت ثقتك به أن تتعايش معه، إما لأجل عدة اعتبارات اجتماعية، وإما لأنك لا تمتلك أي خيارات أخرى! ـ كل الأشياء التي حلمت بها وأردتها بقوة قد تتحول إلى "لا شيء" في حياتك، حين تفقد إيمانك الحقيقي. لكن كن متأكدا أنه "ولا شيء" ستكون له قيمة إن فقدت قيمتك كإنسان!