باكستان .. جنة السائح
عندما تسافر من كراتشي في اتجاه جلجيت-بلتستان في أقصى شمال باكستان، سوف تشهد السيناريو الأكثر إثارة والتنوع في الثقافة والناس. فهذه هي باكستان - أرض غارقة في التاريخ.
باكستان هي موطن لأحد أقدم الحضارات في العالم، يعود تاريخها إلى 6500 قبل الميلاد. ازدهرت مهرغارة وهي ثقافة قديمة في بلوشستان في عام 6500 قبل الميلاد. ومن ثم ازدهرت حضارة إندوس لاحقا، حيث مدينة الموهينجودارو وهارابا في السند إذ تعود تاريخها إلى 2500 قبل الميلاد، وقد عاش شعبها في مدينة مخططة بشكل جيد وبنمط حياة متقدمة ومعاصرة لحضارات مصر القديمة وبلاد ما بين النهرين ومينوان كريت ونورتي شيكو. وعندما بلغت حضارة الأندوس ذروتها، امتدت على معظم أجزاء باكستان وشمال الهند، وامتدت غربا إلى الحدود الإيرانية وجنوبا إلى غوجارات في الهند فالاندوس يعتبر مهد الحضارة في هذه المنطقة.
كما توجد مدينة التاكسيلا وهي كنز أثري آخر من كنوز مملكة الغاندارا القديمة التي تقع في باكستان. وهي مدينة لحضارة غانداراة، وتعرف أحيانا باسم إحدى عواصمها. وكانت تاكسيلا مركزا للمذهب البوذي ومنبعا للتعلم ومدينة حضارية وملتقى الثقافات المختلفة مثل الأشيمينيين واليونانيين والموريين والسكيثيين والبارثيين والكوشانيين والهون وفي نهاية المطاف المسلمون.
وفي وقت لاحق من التاريخ، أبهر السلاطين المغول الأعظم عصورا لامعة من الفن، والموسيقى، والهندسة المعمارية، والحدائق التي تعكس حجم مهاراتهم وذوقهم، حيث ما زالت روعة وبقايا حضاراتهم تنتشر في جميع أنحاء البلاد. فمدينة لاهور معروفة بأنها محور الثقافة في باكستان وتحتضن بعض معالم الأكثر إثارة للإعجاب من معالم المغول والهندسة المعمارية الفيكتورية. فأناقة مسجد وزير خان وفن العمل الزجاجي في قصر شيش محل بقلعة لاهور تعتبر من نوادر الفنون.
ومن هنا يمكن القول إن باكستان هي واحدة من البلدان القليلة في العالم التي تظهر هذا التباين المدهش من الناس من حيث اللون والعقيدة والعرق والعرف وكمجتمع مستنير ومعتدل اجتماعيا. فشعب باكستان منحدر على أسس غنية من الثقافة والفنون والحرف النادرة. وقد أظهر تعدد الثقافات الماضية لدى الشعب مجموعة متنوعة من المأكولات المتنوعة من مقاطعة إلى أخرى.
كما أن باكستان تصنع أرقى السلع الرياضية بما في ذلك بعض الماركات العالمية. فكرات القدم المستعملة في كأس العالم يتم تصنيعها في سيالكوت وهي مدينة معروفة في جميع أنحاء العالم لأدواتها الجراحية. كما أن منتجات السجاد المصنوع يدويا والسجادات الباكستانية هي محل تقدير في جميع أنحاء العالم.
ويوفر الأفق الجديد فرصا للمرأة لقيام بأدوار رئيسة في جميع مجالات الحياة من الوظائف الوزارية إلى إدارة المصارف المركزية وصناعة الخدمات ومن قيادة طائرات الركاب إلى قيادة المقاتلات.
فالشعب الباكستاني مجنون بالرياضة سواء كانت الألعاب الرياضية حديثة أو تقليدية، وقد فازوا ببطولات العالم في لعبة الكريكيت والهوكي والإسكواش والبلياردو عدة مرات. وبصرف النظر عن مثل هذه الألعاب الرياضية الدولية فهناك عديد من الألعاب التقليدية والرياضة التي تحظى بشعبية كبيرة، وهي تعكس الطبيعة الفردية والمرحة للباكستانيين. وتتميز الموسيقى عندهم بمزيج جميل من التقليد والألوان الفردية، مستلهمة بمساهمات الشاعر وموسيقار القرن الثالث عشر، أمير خسرو، الذي ألف "راغاس" وهي طيف من أطياف اللحن الصوفية القديمة. ويمكن القول إن حتى موسيقى البوب اليوم هي مزيج من الإيقاعات الكلاسيكية والحديثة.
النظام البيئي المتنوع في باكستان، يجعله وجهة سياحية جذابة. فالمناظر الطبيعية المتفاوتة من الصحاري في الجنوب إلى السهول الخضراء المورقة والجبال المهيبة في الشمال تجعل باكستان فريدة من نوعها، حيث تزدهر فصول المواسم الأربعة طوال السنة. الجبال والقمم منتشرة في جميع أنحاء العالم ولكن من المعروف أن لدى باكستان أكبر تركيز من قمم الجبال العالية فوق 8000، فضلا عن كونها موطنا لثاني أعلى قمة في العالم. وتتمتع مناطق باكستان في أقصى الشمال بمعظم المعالم الجغرافية في العالم. حيث يلتقى ثلاث سلاسل جبال كبيرة: سلسلة جبال كاراكورم وهندوكوش والهمالايا. وفي منطقة عرضها نحو 500كم وعمق 350كم، تقع كثافة لمجموعة أعلى قمم في العالم وتشمل خمسة من مجموع 14 أعلى قمم الجبال في العالم فوق 8000م، بما في ذلك ثاني أعلى هرم الصخور في العالم – جبل كي- توK-2 (8611م) والجبل القاتل نانغا باربات (8125م)، والقمة المخفية الـ غاشابروم-I (8068م)، والقمة الواسعة (8051م)، وغاشابروم-2 (8035م). كما هناك 29 قمة تفوق طولها على 7500م و108 قمم فوق 7000م وأخرى كثيرة لا تحصى ولا تعد ما بين 4000م وبين 7000م طولا في المنطقة.
هذه الثروة الجبلية الهائلة تجعل باكستان من أهم وجهة جبلية مهمة، وتوفر فرصا كبيرة لتسلق الجبال والأنشطة المتعلقة بالمغامرات الجبلية ذات الصلة. وتعتبر المنطقة بجدارة جنة المتسلقين والباحثين عن المغامرة ومحبي الطبيعة.