أبناء معاقون
اعتاد المجتمع إطلاق تسمية "معاق" على من يشكو بعض الإعاقات الجسدية أو يعاني صعوبة ما في تدبر أمور حياته اليومية الروتينية، لكن الحقيقة أن كثيرا من هؤلاء يبذلون قصارى جهدهم ويصرون على تعلم مهارات جديدة تمكنهم من الاعتماد على أنفسهم وتدبر أمور حياتهم الشخصية، لكن الأمر المخيف الآن أن شريحة كبيرة جدا من أبنائنا الذين يصنفون كأشخاص سليمين هم في حقيقة الأمر معاقون ونحن من أوصلهم إلى هذه الحدود المؤسفة!
تنهض الفتاة ظهرا من سريرها تاركة خلفها فراشا غير مرتب ووسادة سقطت أرضا ثم تدخل الحمام فتتركه في فوضى عارمة من المناديل وبقايا الشعر، وتبدل ملابس النوم غير عابئة بالدولاب المفتوح والملابس المتساقطة تحت قدميها، وتجلس بكل نفسية "خايسة" في غرفة المعيشة تنتظر الخادمة أو الأم أن تهرع لها بكوب الشاي والفطور، وهكذا تقضي بقية يومها لتعود في نهاية اليوم إلى غرفتها وهي مرتبة نظيفة معطرة "انهد" ظهر الخادمة وهي تنظفها، وينهض الشاب عصرا من سريره وبالسيناريو نفسه يغادر غرفته الفخمة، وعادة لن يعجبه طعام المنزل فيخرج مع أصدقائه من أجل وجبات سريعة يتناولونها ثم ينطلقون ليبعثروا ساعات يومهم بلا هدف ولا رؤية ولا وجهة محددة، ليعود في نهاية اليوم إلى غرفة مرتبة نظيفة معطرة.
هذه الاتكالية التي يعيشها هذا الجيل وبمباركة من الأهل سيأتي يوم ونرى تداعياتها السيئة، حين تسهم في إيجاد شخصيات أنانية تدور حول ذاتها فقط، لا يهمها الإسهام في واجباتها الأسرية، ولا إدراك قيمة التعاون والإحساس بالآخرين. شخصيات غير منتجة ولا تحيا روح المبادرة وتعيش في فوضى متواصلة من الملهيات التي تلتهم ساعات يومها بلا أدنى فائدة، حتى القدرة على حل مشاكلها الشخصية لا تمتلكها.
حب الأهل لأبنائهم ليس مبررا إطلاقا لتوفير الرفاهية والدلال والحماية الزائدة، فحين يخرجون من المنزل لن يكون العالم من حولهم حضن أبوين دافئا، لذلك علموهم كيف يكونون أقوياء بالاعتماد على أنفسهم، حددوا لهم مهام روتينية يومية يقومون بها، أعيدوا رسم حدود الأعمال الموكلة للخادمة والسائق في المنزل فوجودهما في المنزل لا يعني إعفاء الأبناء والبنات من المهام والأعمال الأسرية. الإشكالية التي يقع فيها بعض الأهل هي الخلط بين التحضر والرفاهية، أن تكون متحضرا فذلك لا يعني أن تسهم في إيجاد أجيال مرفهة "لا تعرف كوعها من بوعها" ولا تملك القدرة حتى على ترتيب سرير النوم!
إن استمررنا في تربية أبنائنا على الرفاهية فستتورم عقولنا من كثرة تعثرهم في الحياة وإعادتهم لها في كل مرة!