التدابير السعرية في الحد من الأضرار الجسدية

اتخذ بعض ممن أعرف من المدخنين موقفا سلبيا من إقرار وتطبيق الضريبة الانتقائية التي سترفع منتجات التبغ للضعف، وقالوا إننا لن نترك التدخين فنحن في حالة إدمان ونتطلب إرادة قوية وصبرا وتحملا للمعاناة لترك التدخين، فلماذا سنعاني أيضا ارتفاع أسعاره بشكل قد يكلفنا ما لا يقل عن 1500 ريـال شهريا إذا كنا ندخن بمعدل علبتين في اليوم؟
فقلت لهم إن قرار التدخين رغم ما سيلحق بكم من أضرار صحية واقتصادية وربما نفسية واجتماعية كذلك هو قرار شخصي وعليكم تحمل تبعاته، أما سلامة وصحة الآخرين فمسؤولية الدولة بما في ذلك سلامة أبنائكم من استنشاق الدخان أو الاقتداء بكم والوقوع في هذه الآفة كما هو حال كثير من أبناء المدخنين الذين تورطوا في التدخين نتيجة تدخين آبائهم أو أمهاتهم أو إخوانهم الكبار أو ربما بسبب مدرس مدخن يرى الطلاب فيه قدوة لهم.
الإقلاع عما أدمن عليه الإنسان أمر صعب وليس بالهين إلا أنه ممكن بالإرادة القوية التي تدعمها المعرفة العميقة بالمخاطر المترتبة على ما أدمن عليه الإنسان كالتدخين أو مشروبات الطاقة أو حتى المشروبات الغازية التي دل كثير من التقارير على أضرارها الصحية المحتملة خصوصا عند الإكثار من استهلاكها، ولذلك تستخدم الدول التدابير السعرية لرفع تكلفتها، إضافة لجملة من التدابير غير السعرية لمساعدة المدمنين على الإقلاع عنها حيث إن التكلفة تصبح عائقا في استهلاك المنتجات الضارة بالصحة خصوصا لدى أفراد الطبقة المتوسطة وما دونها ولدى فئة الأطفال والناشئة والشباب الذين يعتمدون على مصروفهم اليومي القليل الذي يأخذونه من أسرهم.
التدابير السعرية إن لم تساعد على الإقلاع الكامل فإنها تدفع المدمن للتقليل من استهلاك المنتجات التي شملتها الضريبة الانتقائية كتدبير سعري للحد من استهلاكها والحد من أضرارها، كما أن التدابير السعرية تجعل المستهلك لهذه المواد المعلوم ضررها الصحي والاقتصادي أو المدمن عليها يتحمل مسؤوليته تجاه الوطن والمجتمع حيث يتحمل مع بقية المستهلكين لهذه المواد كل أو جزءا من تكاليف البرامج العلاجية للمرضى نتيجة استهلاك هذه المواد، وتكاليف البرامج الوقائية والعلاجية للإقلاع عن الإدمان عليها، وهي تكاليف عالية تستنزف مبالغ كبيرة من ميزانية الدولة كان من الممكن الاستفادة منها في أوجه التنمية المختلفة الأخرى.
من حق أي إنسان التمتع بمستوى عال من السلامة والصحة بل من حق أي إنسان أن يتمتع بأعلى مستوى من السلامة والصحة يمكن بلوغهما، ولذلك ما فتئت الدول المتقدمة وكثير من الدول النامية تهتم بهذا الحق واتخاذ كثير من التدابير لتحقيقه، بل إن كثيرا من الشركات باتت تقدم منتجات تتضمن درجة عالية من السلامة والأمان كميزات تنافسية في حين تقدم الأخرى كثيرا من المنتجات التي تتضمن درجة عالية من متطلبات الصحة والعافية الجسدية والذهنية كميزات تنافسية كذلك.
هناك كثير من المؤسسات والأجهزة على المستوى المحلي تعتني بشكل كبير بالسلامة والصحة ولديها لوائح تنظيمية وأنظمة وبرامج ومبادرات ولوائح تنفيذية وأجهزة رقابية وتقارير تقييم وفق مؤشرات أداء مقارنة أو قياسية، ومن ذلك على سبيل المثال منظمة الصحة العالمية، والمنظمة الدولية المعنية بالسلامة المائية، المنظمة العربية للسلامة المرورية، وهيئة الغذاء والدواء السعودية، والمنظمات الدولية والمحلية المعنية بالسلامة المهنية إلى غير ذلك.
كل هذه المنظمات تلجأ لتدابير غير سعرية في تعزيز مستوى السلامة والصحة وحماية الإنسان من المخاطر والأضرار الصحية والأمراض، ومن تلك التدابير حماية الإنسان من التعرض للمواد الضارة كالتدخين السلبي على سبيل المثال وذلك بمنع التدخين في الأماكن العامة والأماكن المغلقة، ومنع بيع بعض المنتجات الضارة في بعض الأماكن كالمدارس، ومنع الإعلان عن بعض المنتجات الضارة والترويج لها، إضافة إلى برامج التوعية المستمرة والمتواصلة للتعريف بأضرار السلع الضارة أو السلوكيات الضارة مثل السرعة الفائقة أو تجاوز الإشارة الحمراء أو السير عكس الطريق وهكذا في الجانب المهني حيث التوعية بالمخاطر المهنية ومعالجة كثير من أسباب الإصابات وإلزام المصانع والمقاولين وأصحاب الأعمال بتوفير معدات الأمن والسلامة للموظفين وإلزام الموظفين والعمال بارتدائها.
التدابير السعرية عادة ما تكون موجعة لأنها تتعلق بعديل النفس وهو المال، ولذلك تستخدم التدابير السعرية بشكل واسع لتعضيد التدابير غير السعرية لتحقيق أقصى درجات الأمن والسلامة والصحة كحق من حقوق الإنسان، وعلى سبيل المثال لاحظنا انخفاضا حادا في تجاوز الإشارة الحمراء والسرعة العالية بعد التشدد في التدابير السعرية، حيث ارتفعت قيمة هذه المخالفات لمبالغ كبيرة، وكل ذلك أسهم بشكل كبير في رفع درجة السلامة في طرقنا وبالتالي نسبة الحوادث والإصابات وتكاليفها على الموازنة العامة حيث يستنزف علاج المصابين بالحوادث المرورية مليارات الريالات سنويا إضافة إلى إشغالهم نسبة كبيرة من سرائر المرضى في المستشفيات.
وبالتالي وبعيدا عن الاتهامات بتوجه الدولة لفرض ضريبة السلع الانتقائية ورفع أسعار المخالفات لتحقيق مزيد من الإيرادات، وإن كان ذلك حقا للدولة، إلا أننا يجب أن ندرك أن الضرائب والرسوم والمخالفات سياسات مالية وتدابير سعرية تستخدم للحد من الأضرار بكل أنواعها على مستوى الفرد وعلى مستوى الدولة، كما تستخدم لرفع مستوى السلامة والصحة والأمان وهي من حقوق الإنسان الأساسية على الدولة، ويمكن تجنب هذه التدابير السعرية وعدم تحمل تكاليفها بالالتزام بقواعد السلامة المرورية والمهنية وكذلك بتجنب استهلاك السلع الضارة والتوجه لما هو مفيد.
ختاما، من حق المواطن أن يحصل على أعلى مستوى من الصحة والسلامة، وعلى الدولة أن تقوم بواجبها بتحقيق ذلك، ومن يريد استهلاك المواد الضارة عليه تحمل نتائج قراره، وتحمل الغرامات المقررة على مخالفته الأنظمة وتحمل الضرائب كتدابير سعرية مقررة لتعويض موازنة الدولة ولحثه على ترك ما هو ضار.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي