سياسات المالية العامة الذكية «2 من 2»
تعد الضرائب والإنفاق العام أداتين فعالتين لضمان العدالة في توزيع ثمار النمو داخل كل بلد. ومثال ذلك التحويلات النقدية المشروطة "كالتي تصرف إلى الأسر الفقيرة شريطة أخذ الأطفال إلى العيادات الصحية والتحاقهم بالمدارس" التي تم استخدامها بنجاح لتقليص فجوة عدم المساواة في عدد من بلدان أمريكا اللاتينية.
وينبغي أيضا أن يكون لسياسة المالية العامة دور مساعد في إشراك السكان إشراكا كاملا في الاقتصاد المتغير والتكيف معه. ومن خلال تحسين فرص الحصول على التعليم والتدريب والخدمات الصحية، إضافة إلى التأمينات الاجتماعية، يصبح من الأيسر على العمالة أن تتجاوز ظروف المرض وفقدان الوظائف.
كيف يمكن لصناع السياسات تحقيق جدول أعمال بهذا الطموح لسياسة المالية العامة بينما بلغ الدين العام مستويات مرتفعة تاريخية؟ من أين يأتون بالموارد اللازمة؟
تحتاج الحكومات إلى طاقة ضريبية قوية لتنفيذ هذه السياسات التي أوضحناها آنفا. ويتيح فرض الضرائب مصدر إيرادات ثابتا وقابلا للتعديل يمكن الاستعانة به وقت الحاجة. ويمثل هذا المصدر عاملا أساسيا أيضا في تحديد قدرة البلدان على سداد ديونها.
وتكسب هذا أهمية خاصة بالنسبة للبلدان منخفضة الدخل. فقد تبين أن نسبة الضرائب إلى إجمالي الناتج المحلي أقل من 15 في المائة في نحو نصف هذه البلدان. وغالبا ما تستنفد مدفوعات الفائدة نسبة كبيرة من إيراداتها الضريبية. ويعد بناء القدرة الضريبية من الأولويات القصوى في البلدان منخفضة الدخل حتى تحقق التنمية على أساس قابل للاستمرار.
أوضحت الأزمة المالية العالمية أن الماليات العامة معرضة لمخاطر كبيرة غالبا ما تقدر بأقل من قدرها. فعمليات الإنقاذ للمصارف والركود الاقتصادي العميق وصلا بالدين العام في الاقتصادات المتقدمة إلى مستويات غير مسبوقة في فترات السلم. وتحتاج الحكومات إلى فهم أفضل للمخاطر التي تتعرض لها وإلى اعتماد استراتيجيات لإدارتها. وتقدم الصين مثالا لأهمية السياسات المالية الحذرة. فقد ارتفع الدين في الصين بسرعة بالغة في العقد الماضي - أسرع من أي اقتصاد رئيس آخر. وتدرك السلطات الحاجة إلى تخفيف وتيرة تراكم الديون والحد من المخاطر المالية. ويمثل هذا جزءا من العملية الشاملة التي يتم فيها تعديل توازن نموذج النمو في الصين. ومن شأن التبكير بمعالجة هذه المخاطر أن يحسن آفاق النمو القابل للاستمرار على المدى المتوسط إلى الطويل. ويمكن أن تسهم سياسة المالية العامة في الصين بدور مهم في تيسير عملية التكيف. وقد اتخذت خطوات مهمة أو هي في طور التنفيذ بشأن إدارة المالية العامة والعلاقات بين مستويات الحكومة المختلفة.
وعلى وجه العموم، مطلوب من سياسة المالية العامة أن تحقق ما هو أكثر بموارد أقل. ويقترح تقرير الراصد المالي خمسة مبادئ للاسترشاد بها في إدارة السياسة في هذه البيئة الصعبة. ولا يزال المجال متاحا حول العالم لاتباع مزيد من السياسات المضادة للاتجاهات الدورية والداعمة للنمو والقائمة على أساس من الاحتوائية والحذر.