أبطال التواصل
عندما أراد الشاب المستثمر أن يعلن مشروعه السياحي بحث عن مشاهير التواصل الاجتماعي ليعلنوا مشروعه في صفحاتهم وعبر الرسائل التي يوجهونها للمعجبين الذين تتجاوز أعدادهم مئات الآلاف.
لا يظنن أحد أن هذه الدعايات لا تحقق مردوداً للمعلن, فهي وسيلة ناجحة جداً تثبتها الأرقام. ثم إن هؤلاء المغردين والسنابيين والإنستقراميين أوجدوا لأنفسهم ما يشبه التسعير المقارن. يمكن أن تعرف سعر كل واحد وتربطه بعدد المشتركين في صفحته أو متابعي نشاطه.
كل هذا جميل, ويسعدني أنه في بلادي ويستفيد منه المواطن بالدرجة الأولى, لكنه يبقى وسيلة تنبئ عن مفاهيم جديدة وأولويات مختلفة تبناها صغار السن للتعريف باهتماماتهم. هذا الواقع الذي نعيشه يمثل بدايات خطر داهم يوشك أن يطول أعداداً كبيرة ممن ندخرهم للمستقبل ونتوقع منهم كثيرا من البناء والمساهمة في التطور.
يشكو كثير من أولياء الأمور والمهتمين بالتربية والنشء من انتشار الإعجاب بشخصيات لا تمت للمثالية بصلة, هذه الشخصيات تحصل على أكثر مما تستحق من المتابعة والاهتمام لا بل التقدير والاحترام الطاغي. هذه اللوثة التي سيطرت على عقول الشباب والشابات لم يكن لها أن تكون لولا أن لها موطئات مهمة في السلوك الجمعي والعلاقات الاجتماعية.
إن الشخصيات التي تنال الإعجاب والمتابعة تتحول في نهاية المطاف إلى مشكِّلات للسلوك المجتمعي, وهذا في حد ذاته خطر جم. المرحلة التي يؤثر فيها هؤلاء هي مرحلة النسخ واللصق في حياة الأبناء والبنات, مرحلة يمكن أن يقلد فيها المراهقون من يعجبون بهم بغض النظر عن إيجابية أو سلبية سلوك هذا المُقَلَّد.
صحيح أن الإعجاب سينخفض في سنوات قادمة, لكن الخوف يكون قد سيطر على شخصية الشباب في مرحلة معينة فأثر في إنجازاتهم وثقتهم بذاتهم, ومن ذلك تحصيلهم الدراسي. لا أتحدث هنا عن شخصيات إجرامية أو متطرفة وهذه موجودة أيضاً, وإنما عن شخصيات قدراتها الذهنية محدودة وممارساتها العلنية غير سوية, وهي بهذا تستقطب المتابعة التي تنتج عن استغراب سلوك الشخص أو أسلوب حديثه أو أعماله, وتتحول إلى ممارسة بعض من هذه السلوكيات وهي ما نراه في كثير من الحالات التي يضيق بها أغلب من يشاهدون الوضع في الوقت الحاضر, لكن لماذا وكيف تحول هؤلاء إلى أيقونات يقلدها الكبار قبل الصغار؟ هذا موضوع حديث الغد.