Author

هل مصدرو البترول حقا بين صخرتين؟

|

الصخرة الأولى هي الصخري الأمريكي والثانية الخسائر الكبيرة التي اختار المصدرون قبولها ثمنا لتحييده. فحسبما يظهر من وسائل الإعلام، أن المصدرين أجمعوا على أن يقفوا صفا منيعا في وجه إنتاج البترول الصخري الأمريكي خوفا من استمرار نموه واقتناصه حصة من السوق على حساب إنتاجهم. ورفعوا الإنتاج من أجل أن يضيفوا إلى تخمة الفائض في السوق ويضيقوا الخناق على الصخري، حتى إشعار آخر، مفضلين بذلك تحمل خسائر مالية ضخمة إلى أجل غير محدود، وذلك رغبة منهم في وضع حد، ولو لفترة زمنية غير معروفة، يكون إنتاج الصخري خلالها عند أدنى مستوى له، دون زيادة لها أثر بيِّن في الإمدادات البترولية. وهذا المقال تكملة لحديث سابق لمقال يوم الأحد الموافق 26 آذار (مارس)، 2017، حول الموضوع، واستجابة لرغبة أحد القراء الأفاضل الذي كان قد علق بالفقرة التالية:
"أصبحنا في حالة خاسرة في كل الأحوال: إن رفعت الإنتاج للضغط على منتجي الصخري انخفضت الأسعار بشكل لا يطاق، وإن خفضت الإنتاج لتحسين الأسعار زاد إنتاج الصخري حتى تتحطم الأسعار! ما الاتجاه الصحيح يا شيخ عثمان؟ أتمنى أن تكتب مقالة عن أفضل الطرق للتعامل مع هذه المعادلة الصعبة!".
وهي فعلا معادلة صعبة. والحديث سيقتصر على البترول الصخري الأمريكي، لأن إنتاج البترول الصخري خارج أمريكا الشمالية لن يكون مجديا اقتصاديا عند سعر لا يقل عن 120 دولارا للبرميل، إلا في حالات نادرة والنادر لا حكم له. ووضع الصخري الأمريكي أصبح واضحا ومستقبله معلوما. ولا تخفى على ذي بصيرة الإمكانات المتوافرة التي تمتلكها الولايات المتحدة كالتقنية والقوى البشرية المدربة والعوامل اللوجستية والخبرة العملية والمصادر المالية وتوافر المعدات المطلوبة في أي وقت وزمن. هذا الكم الهائل من المرونة يصعب تجاهله، فالأفضل التعايش مع الصخري الأمريكي، بدلا من مقاومته عن طريق تخفيض سعر البرميل، وهو سلاح ذو حدين. وما مصلحتي كمنتج أن أخسر أكثر من 50 في المائة من دخلي وأهدر كميات كبيرة من ثروتي الناضبة لسنوات طويلة، دون أي مبرر اقتصادي؟
وإنتاج الصخري الأمريكي ليس بالأمر السهل ولا المتيسر، ولا هو مستديم، بصرف النظر عن التقديرات الأولية لكميات الاحتياطي. ومعروف تدني كفاءة إنتاج الصخري وتباين نسبة الاستخلاص من بئر إلى أخرى، نظرا لطبيعته الجيولوجية. فللحصول على إنتاج مليون برميل من الصخري، يتطلب الأمر حفر ما بين خمسة وستة آلاف بئر. وللمحافظة فقط على استمرارية مستوى إنتاج هذا المليون لا بد من حفر عدد من الآبار يساوي ثلث عدد الآبار الأصلية سنويا، وإلا فسوف ينخفض الإنتاج عن مليون برميل مع مرور الوقت. وإنتاج الصخري الأمريكي البالغ أربعة ملايين برميل في اليوم يستخرج مما لا يقل عن 40 ألف بئر، يعمل فيها ما يقارب 500 حفار. ولا يزال لديهم ما يزيد على ألف حفار عاطلة وجاهزة للعمل وقت الطلب. ومع جميع تلك الإمكانات فمن المتوقع، حسب تقارير إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، ألا يزيد إنتاج البترول الصخري هناك في المستقبل على سبعة ملايين برميل في اليوم، ثم يبدأ في التراجع. وهذه معلومة، رغم نشرها في وسائل الإعلام، إلا أن كثيرين لا يدركون أهميتها. كما يجب ألا ننسى أن الطلب العالمي على البترول، بوجه عام، لا يزال يرتفع سنويا بأكثر من مليون برميل، وأن معظم حقول الإنتاج الحالية حول العالم تعاني الشيخوخة، والأرض تكاد تكون قد وصلت إلى مرحلة الإجداب من الحقول الجديدة الكبيرة والمتوسطة، من نوع البترول التقليدي الرخيص. أو بمعنى آخر، سيظل المصدرون ينتجون عند أعلى مستويات قدراتهم الإنتاجية حتى تنضب حقولهم ويضطروا إلى تخفيض الإنتاج قسريا ويعود الصخري إلى وضعه الطبيعي في السوق البترولية آمنا مطمئنا، لا ينازعه إلا ارتفاع تكلفة إنتاجه. وحينئذ، ينطبق عليهم المثل الشعبي، "وكأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا". ناهيك عن أن الخسائر التي تكبدها منتجو التقليدي خلال فترة "تنزيل" الأسعار، وهي بالتريليونات، ستكتب من التاريخ.
أما الإجابة عن سؤال القارئ الكريم في تعليقه آنف الذكر، فهي التالية. كان الأولى من البداية، أواخر عام 2014، تخفيض الإنتاج لمنع نمو تخمة المعروض، بصرف النظر عن ارتفاع إنتاج الصخري من عدمه، ويكون ذلك بالتعاون مع معظم المنتجين لأن الموضوع يتعلق بمصالح الجميع. وحتى لو تطلب الأمر مزيدا من التخفيض نتيجة لزيادة إنتاج الصخري، على أساس مبدأ أن تخفيض الإنتاج في حد ذاته مربح. ولو تواصلوا مع منتجي الصخري للخيار بين رفع الإنتاج الذي سيخفض السعر أو التقيد بنسبة معينة من أجل تثبيت سعر البرميل لمصلحة الجميع، ما ظننت أنهم سيرفضون التعاون وهم يدركون ما سيتعرض له إنتاجهم المكلف في حال نزول الأسعار، وهو ما حدث فعلا اليوم. وحتى دون موافقة الأمريكان، كان الأفضل تخفيض الإنتاج ليظل السعر عند مستوى أعلى من الحالي بنسبة كبيرة، آخذين في الاعتبار أن البترول الصخري كان قريبا من الوصول إلى الذروة. ولا تزال فرصة تخفيض الإنتاج من طرف المنتجين خارج أمريكا بنسبة أكبر هي الخيار الأمثل، من أجل رفع الأسعار إلى مستويات مقبولة، دون خوف من الصخري. ويلاحظ أننا لم نتحدث في هذا المقام عن دور العوامل السياسية القابلة للاحتمال، واعتمدنا فقط على ما تتداوله وسائل الإعلام.

إنشرها