عاصفة صراع الأجيال
القدرة على قراءة الجيل الجديد، مسألة حتمية، تخفف من صدمة صراع الأجيال، التي تعانيها المجتمعات العربية بدرجات متفاوتة.
إن صراع الأجيال قضية مستمرة، ويشعر بها من تعايش مع الأبناء في شبابه وفي كهولته.
البعض لديه قابلية ومرونة للاقتراب من تفكير أبنائه وبناته. إن مفهوم القرب لا علاقة له بحجم المحبة. من المفهوم أن عبارة "من الحب ما قتل" تصدق على بعض تعاملاتنا مع أبنائنا وبناتنا. إن بعض الأذى الأسري الذي تتعرض له فتيات وأبناء، ليس شرطاً أن يكون نتاج مرض، ولكنه عرض من أعراض صراع الأجيال، وعدم القدرة على فهم طبيعة الاختلاف بين العصر الذي عاشه الأب والأم والعصر الذي يعيشه الأبناء.
نحن لا شعوريا نعبر جسر العمر لوحدنا. ينبني بيننا وبينهم خندق لا نراه. مظاهره سرعان ما تظهر من خلال عبارات على غرار: أنت لا تفهمني. أنتم تريدون منا أن نكون نسخة منكم؟ قد تتدحرج هذه العبارات في محاورة. وقد يمنع الحياء البعض من قولها. ولكنها تتورم في الداخل لتطفو على هيئة مظاهر مجتمعية نتائجها وخيمة.
إن انهماك أبنائنا وبناتنا على بناء جسور من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وبث همومهم هناك بأريحية، مع عدم التعبير عنها بالأريحية نفسها للوالدين، هو تأكيد على أن المسافة التي تفصل بين الآباء والأمهات وأبنائهم تزداد كلما تقدم عمر الوالدين.
ما الذي علينا أن نفعله من أجل ردم هذه الهوة؟
إن علينا أن نخوض مع أنفسنا مهمة إعادة اكتشاف الحياة من وجهة نظر أبنائنا وبناتنا.
لا مناص من المحاولة مرة تلو المرة. إن التعبير عن الإحباط أمام الأبناء نتيجة تصرفاتهم لا يمثل حلاً، بل إنه يفاقم أزمة صراع الأجيال.
النتيجة المخيبة عندما نكتشف اقتراف أبنائنا أخطاء، وهنا تبدأ محاولة البحث عن مشجب نضع عليه خطاياهم. لكننا غالبا لا نعترف أننا نجفو أبناءنا وبناتنا ونكاد لا نعرفهم. هذا واقع يحتاج إلى مواجهة للذات، على كل أب وأم الخوض فيها، والسعي للتغيير بالهمة نفسها التي نبذلها لنجعل أبناءنا يفكرون بطريقتنا.
باختصار شديد: إن ارتهان البعض لـ "الماضوية" كفكرة منقطعة، أفرز أشكالاً متعددة من التطرف الذي كان من مخرجاته تنظيمات القاعدة وداعش والتفسيرات الملتبسة والخاطئة للدين والتدين. وأفرز في المقابل التفريط في القيم والمبادئ، هذا ينسحب على نسق اجتماعي كامل. لا بد من عناق بين الأجيال. الأمر صعب لكنه ليس مستحيلا.