القراءة .. وتنافسية الموارد الوطنية
القراءة المستمرة والمتنوعة، خاصة في التخصص، ومهارات التواصل مع الآخرين، والمهارات الذهنية كالتفكير والحفظ والاستدعاء، ومهارات تنمية الذات تؤدي إلى تنمية مهارات الموظفين أو المقبلين على الوظائف بشكل كبير وتجعلهم أكثر تنافسية للحصول على الوظائف أو الترقي في درجاتها بسرعة كبيرة، ذلك أن الموظف الماهر قادر على الإنجاز وتطوير العمل دون أعذار.
هذا ما قاله لي أحد الأصدقاء يعمل في شركة كبيرة جنبا إلى جانب مع موظفين وافدين مؤهلين وذوي مهارات عالية وخبرات متراكمة، مؤكدا أنه لم يقدر على المنافسة في المراتب الوظيفية والوصول إلى أعلاها إلا لكونه ينجز باستقلالية ودون أعذار ما جعله محل احترام وتقدير الرؤساء الذين لم يتوانوا في نقله من مرتبة إلى أخرى وزيادة راتبه ومكافآته الشهرية والسنوية دون تردد، مبينين له أن كفاءته وراء ترقياته وحصوله على المميزات المالية والمعنوية.
وعندما قلت له اشرح لي تجربتك أكثر، قال، بعد أن توظفت في إحدى الشركات بحثت في سلم الوظائف والرواتب ومتطلبات الترقي، وبعد أن اطلعت عليها علمت أن الطريق مفتوحة أمام كل طموح إلا أنها ليست سهلة وتتطلب قدرات تنافسية عالية لمنافسة الموظفين السعوديين والوافدين المؤهلين تأهيلا عاليا في مجال تخصصاتهم والتخصصات المجاورة لتخصصاتهم كـ "المالية بالنسبة للمحاسبين"، والمتمتعين بمهارات عالية في التواصل، والمتحدثين بأكثر من لغة، والمجيدين لمهارات التفكير والعصف الذهني وتوليد الأفكار وتطبيقها. ووجدت أن المستثمرين من أعضاء مجلس الإدارة ومن اختاروه لقيادة الشركة إداريا يبحثون عن الإنجازات لا الأعذار، وأن الإنجاز هو مقياس محصلة مؤهلات ومهارات وقيم ومفاهيم الموظف، وأن الشهادات تفتح طريق البداية إلا أن الإنجازات سبيل الاستمرارية في الوظيفة والترقي في سلم الوظائف والرواتب والمكافآت.
قلت له وكيف توصلت إلى أن القراءة سر من أسرار التنافسية وتحقيق الطموحات الوظيفية؟ فقال، لقد لاحظت أن الموظفين المميزين يحرصون على قراءة الكتب ويتابعون كل ما هو جديد في مجال تخصصاتهم الفنية وفي مجال المهارات المساندة كتقنيات الحاسب الآلي، ومهارات التواصل، ومهارات المفاوضات، ومهارات الاجتماعات، والمهارات الذهنية، كما لاحظت أنهم يقرأون في المجالات المقاربة لتخصصاتهم كأن يقرأ المالي كتبا اقتصادية، وكتبا إدارية، وكتبا في الجودة وهذا الأمر الذي يوسع معارفهم ومداركهم فيكونون أكثر قدرة على التعاطي مع المعطيات والفرص والعوائق. عندها قررت أن أقرأ بمعدل كتاب أسبوعيا أو أنطلق في قراءة عدة كتب في عدة مجالات بالتزامن، وأنهيها تباعا خلال شهر. ولقد لاحظت تغيرا كبيرا في معارفي، وقيمي، ومفاهيمي، ومهاراتي ثم مواقفي من كثير من الأمور وبالتالي تغيرات جوهرية في تصرفاتي الأمر الذي انعكس إيجابا على جودة علاقاتي وإنجازاتي بل من مواقف الرؤساء والزملاء والمرؤوسين مني.
قلت، هل يمكن أن نقول إن من أراد التميز عليه بالقراءة النوعية فالآخرون نادرا ما يقرأون؟ قال بكل تأكيد عليك أن تقرأ بعمق لتفهم وتدرك وتطبق، وإن عانيت في البداية، حيث إن كثيرا من المعارف الجديدة تخالف طباعك وقيمك ومفاهيمك ومن الصعب النجاح في تطبيقها من المرة الأولى، ولكن التكرار أبو المهارات ومع التكرار تتشكل العادات الجديدة، ومن ذلك على سبيل المثال مهارة الإنصات وهي إحدى أهم المهارات التي يفتقدها كثير من الناس فضلا عن الموظفين، ومن ينصت بتركيز عميق أو يستمع بتعمق للفهم، وإن كانت لديه مواقف مسبقة من المتحدث أو كانت لديه معرفة أكبر من معرفة المتحدث فسيكتسب كثيرا من المعلومات والمعرفة والمهارات، وإن لم يكن فسيكتسب رؤوس أقلام يمكن أن ينطلق منها لبحر من المعلومات والمعرفة والمهارات، وبالتالي يمكن أن أقول إن الإنصات من أهم مهارات تنافسية الموارد البشرية.
لا شك أن الحديث مع هذا الصديق المتحمس الطموح المنجز يؤكد أن القراءة مهمة وحيوية في تكوين ثقافة الموارد البشرية لجهة القيم والمفاهيم إضافة إلى أهميتها في تزويدهم بالمعلومات والمعرفة والمهارات في مجالات التخصص وفي مجالات مهارات الحياة بشكل عام ومن ذلك التواصل مع الآخرين وكيفية مواجهة التحديات المستمرة التي لا يخلو منها عمل من الأعمال أيا كان، وبالتالي القدرة على الإنجاز دون أعذار لتحقيق النجاح والفاعلية اللذين تصبو إليهما المنظمات المعاصرة التي تعتمد على المورد البشري في إيجاد القيمة التي تحقق المزايا التنافسية المتمثلة في المخرجات المبتكرة التي تحقق رضا الزبائن وتعزز من سمعة المنظمة ومكانتها الاجتماعية.
ولكن كيف لنا أن نجعل القراءة عادة من عادات الشاب والموظف السعودي ليكون منافسا مرغوبا لقدراته ومهاراته وإبداعاته؟ بكل تأكيد تلعب الأسرة دورا كبيرا في ترسيخ القراءة كسلوك يومي معتاد لدى أفرادها وهناك نماذج كثيرة لأسر استطاعت تحقيق ذلك، ولكن ماذا إذا كان الوالدان لا يقرآن ولا يدركان أهمية القراءة؟
سننتقل بشكل تلقائي إلى دور التعليم في ترسيخ القراءة من خلال النظام التعليمي لترسيخ عادة القراءة لدى الطلبة من خلال عدة آليات ومن ذلك المسابقات والأنشطة الاختيارية للترويج للقراءة في جميع المراحل التعليمية بما في ذلك التعليم الجامعي، وأذكر أن بعض الزملاء اعتادوا القراءة بسبب المعلمين ومشرفي المكتبات الذين شجعوا وحفزوا وساندوا الطلاب وقدموا لهم التسهيلات. ولكن كما يبدو لي أن الأمور لم تعد كذلك رغم توافر التقنية التي يمكن أن تجعل الكتاب الإلكتروني بيد الطالب في جميع الأوقات من خلال الجوالات التي لا تفارق أيديهم أو خلال الآيبادات التي يتصفحون من خلالها كثيرا من المواقع طوال اليوم.
ختاما أقول إن نشر ثقافة القراءة لدى السعوديين ليكونوا منافسين تحد كبير، وأتطلع إلى أن تتبنى وزارة العمل والتنمية الاجتماعية وهي المعنية بالتوظيف مبادرة لنشرها بالتعاون مع وزارة التعليم ووزارة الإعلام وشركاء آخرين كصندوق تنمية الموارد البشرية "هدف"، الذي يسعى إلى تنمية القوى العاملة الوطنية ورفع قدراتها التنافسية.