هيئة السوق المالية .. الصمت أمام فوضى المعلومات
تعاني السوق المالية السعودية مشكلات شتى، كلها أثرت في الأداء العام للسوق، حيث تراجعت للأسبوع الثالث على التوالي، لتدخل أطول سلسلة تراجع في خمسة أشهر، وتصل إلى 1.6 تريليون ريال. وجاءت التراجعات مصحوبة بتراجع في أرباح الشركات السعودية بلغ أكثر من 5 في المائة. السوق المالية قائمة بشكل أساسي على الثقة بالمعلومات المالية، التي تقدم من مصادرها المختلفة، تستحق هيئة السوق المالية وشركة تداول ما تتحصل عليه من إيرادات ورسوم، بسبب هذه القضية أساسا، فالتداول في الأسهم قضية معقدة جدا، ذلك أن السعر الذي يتم إعلانه في السوق المالية كنتيجة العرض والطلب، يتضمن موضوعات مختلفة أخرى. فهو يتضمن تقييم السوق للشركة نفسها من حيث حصة السهم في صافي أصول الشركة، وحصة في صافي الأرباح المتوقعة مستقبلا، كما أننا نشتري أسهما لشركات من المفترض أنها ستستمر لمدة سنة كاملة على أقل تقدير، كل هذه المعلومات يتضمنها سعر السهم، ويتضمن أيضا تقديرات السوق بشكل عام للتقلبات الاقتصادية والسياسية والقدرة أيضا على استرداد الاستثمار بشكل سريع دون عوائق، وجميع هذه المعلومات تضمن هيئة السوق المالية الثقة بمصادرها، كما أن هيئة السوق المالية تحارب بشدة ظاهرة تسريب المعلومات الداخلية التي يتم استخدامها للشراء والبيع قبل أن تصل تلك المعلومات إلى السوق ككل. كل هذا يتطلب من هيئة السوق المالية عملا مكثفا من أجل تصفية السوق من كل ما يروج لمعلومات غير صحيحة، أو من غير المرخص له بذلك.
لكن مع كل هذه الجهود المقدرة تماما، لا يزال العمل ينقصه الكثير، فلقد كان المتوقع بعد قضايا عدة مثل "بيشة" و"المعجل" و"اتحاد اتصالات" و"تهامة" أخيرا، أن تتنبه هيئة السوق المالية إلى قضايا تتعلق بالثقة بالمراجعين الخارجيين. فبعد قضايا بهذا الحجم وهذا التأثير، فإن هيئة السوق المالية، وكذلك الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين، لم تتخذا إجراءات تصحيحية شاملة لوضع المهنة ككل في المملكة، وكأن التهديد هذا في سوق مالية بعيدة عنا. لقد مرت الأسواق المالية العالمية بمثل هذه المواقف التي نمر بها اليوم، وبسبب مثل هذه الأحداث صدرت تشريعات عدة في غاية الأهمية، لعل أقرب هذه التشريعات ما سُمي بقانون أوكسلي. فلقد ظهر هذا القانون من أجل هدف وحيد هو استعادة الثقة بالمعلومات المالية التي يراجعها المراجع الخارجي. يجب أن نعترف بأن مهنة مراجعة الحسابات في المملكة تمر بمرحلة غاية في الأهمية، وما تم من قرارات بشأن مكتب المراجعة لشركة المعجل لم يكن حلا بقدر ما أثار الرعب في السوق، بشأن ما يمكن أن تتأثر به الشركات الأخرى، إن تمت معاقبة أي مراجع من قِبل هيئة السوق المالية. وبخلاف زيادة التهديدات في السوق، فإننا لم نشهد تعديلات على حالة إعداد القوائم المالية، وحالة تقييم تلك المعلومات، وكأننا في انتظار قضية أشد إيلاما.
الأمر لا يتعلق فقط بمهنة مراجعة الحسابات ولا آلية إعداد القوائم المالية وما حولها، بل إن الأمر يمتد إلى كل مصادر المعلومات المتاحة والمرخصة في السوق. لقد أثارت الأخطاء التي ارتكبتها مؤسسات التصنيف العالمية موجة عاصفة في العالم من التعويضات الضخمة التي دفعتها هذه الشركات في مقابل تسوية قضايا تتعلق بتصنيف شركات الرهن العقارية الأمريكية، وهذا أكد أن مشكلة الثقة بالمعلومات شائكة جدا، وذات أبعاد متفاوتة، وعلى هيئة السوق المالية أن تخرج من حالة الصمت تجاه كل هذه الفوضى في المعلومات، وأن تدرك أن السوق تعيش حالة عدم تأكد شديدة بشأن الثقة بالمعلومات المتاحة لها، وعلى هيئة السوق المالية أن تخصص ما يكفي من الموارد للقيام بالدراسات اللازمة لتقييم الوضع الراهن.